يوســــف النجـــــار
البار الكتوم … والمطيع الخدوم
القراءة الكتابية : ( متى 1 : 18 – 24 )
” وأما ولادة يسوع المسيح فكانت هكذا : لما كانت مريم أمه مخطوبة ليوسف ، قبل أن يجتمعا ، وجدت حبلى من الروح القدس .. فيوسف رجلها إذ كان باراً ، ولم يشأ أن يشهرها ، أراد تخليتها سراً.. ولكن فيما هو متفكر في هذه الأمور ، إذا ملاك الرب قد ظهر له في حلم قائلا : يا يوسف ابن داود ، لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك . لأن الذي حبل به فيها هو من الروح القدس .. فستلد ابناً وتدعو اسمه يسوع . لأنه يخلص شعبه من خطاياهم .. فلما استيقظ يوسف من النوم فعل كما أمره ملاك الرب ، وأخذ امرأته ، ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر . ودعا اسمه يسوع .. ”
** مقدمة :
مباركة هى سيرة هذا القديس العظيم يوسف النجار البار ..
فهو ضوء ساطع نال شرف أن يُسجل اسمه فى أول صفحة من العهد الجديد..
وقد تتركز الأبصار حول العديد ممن عاصروه وتنساه.. لكن هذا لا يُنقص أبداً من روعة عظمة حياة هذا القديس المبارك ومن روعة خدمته للمسيح المولود ملك
..يقول تقليد الكنيسة انه عاش 120 سنة منها 12 سنة على الأقل ضمن العائلة المقدسة .
والحقيقة أن المسيح لم ينتسب شرعياً ليوسف النجار فحسب، بل يوسف هو الذى انتسب إلى المسيح ..
ولنركز الحديث حول علاقة هذا البار بالمولود ملك حول ثلاث كلمات .. هى :
1) الغنى بلا مال
2) ثقل الأحمال
3) أبـــــوة ومثــــــال
أولاً : الغنى بلا مال :
كان يوسف النجار سليل الملوك والعظماء ، لكنه كان فقيراً للغاية .. فهو أعظم الناس وأفقرهم .. فهو يقدم لنا مقياساً مختلفاً للعظمة لا يوزن بالمال .. فقيمته الحقيقة لم تكن تكمن فيما يملك، بل فيمن يتبع .. لذا قال الرسول بولس :
” كفقراء ونحن نُغنى كثيرين .. كأن لا شئ لنا ونحن نملك كل شئ .. ” (2كو 6 : 10)
لقد كان يوسف النجار من سبط يهوذا .. كان جده هو الملك داود ، لكنه كان نجاراً فقيراً .. وهذا يذكّرنا بربنا يسوع المسيح الذى أخلى ذاته أخذاً شكل العبد .. صائراً فى شبه الناس ..
فبدأ رحلته على أرضنا فى المذود .. وتربى فى دكان نجارة كصبى فقير .. وختمها عرياناً عطشاناً جوعاناً وحيداً على الصليب ..
وبرغم كل هذا كان يوسف انساناً مطيعاً خاضعاً لاعلانات الله له مهما كلفه الأمر .. ومهما كان :
ثانياً : ثقل الأحمال :
ما أصعب الثقل الذى حمله هذا البار .. فبرغم فقره وحقارة مظهره الخارجى لكنه كان باراً أى مطيعاً لوصايا الله .. لقد :
1) وافق على الأرتباط بعذراء فقيرة ، هى أمنا العذراء مريم ..
2) احتمل ألم أن يجدها حُبلى وهى لم تتزوجه .. وظنها فى البداية زانية .. ولا نعلم كم من الوقت مضى وهو
” متفكر [ أى متحير ] فى هذه الأمور ” (مت1 : 20)
3) لم يرد أن يشهرها [ أى يفطح أمرها ] بل أراد تخليتها سراً .. إنه البار الكتوم والمطيع الخدوم ..
4) كان باراً يحفظ وصايا الله فى الشريعة التى تحكم على الزانية بالرجم (تث 22 : 21) وكان أمامه إما أن يشهرها علنياً أمام الجميع أو أن يطلق سراحها سراً دون فضيحة ..
لكنه إذ كان باراً اختار الأمر الثانى كما قال الكتاب : ” المحتقر صاحبه هو ناقص فهم .. أما ذو الفهم فيسكت .. الساعى بالوشاية يفشى السر والأمين الروح يكتم الأمر ..
” (أم 11 : 12 ، 13)
5) صدق كلام الملاك ببراءة العذراء برغم صعوبة تصديق ما لم ولن يحدث .. فما أروع أن نستمع لصوت الروح القدس فى أعماقنا ولصوت والمرشدين الروحيين فى الكنيسة ونخضع .. فالروح القدس يقود الإنسان المنضبط العاقل وليس الغضوب المنفعل ..
6) احتمل عناء السفر من أورشليم إلى مصر والبقاء هناك ثم الرجوع إلى أورشليم ..
وهو لا يملك أموالاً تعينه على مشقة السفر .. لكنه اعتبر نفسه وكيلاً مكلفاً بهذه المهمة السماوية فحمل الصليب مسروراً دون ضجر أو اعتراض ..
أخى الحبيب .. رجاء لا تسمح للغضب أن يمتلكك بل انصت لاعلان الله لك .
اسمح لروح الله أن يتكلم إلى قلبك ويرشدك للصالح .. ولا تنسى أن ” غضب الإنسان لا يصنع بر الله ” (يع 1 : 20)
ثالثا : أبوة ومثال :
لقد خدم يوسف النجار بفقره ما لم يخدم به العظماء ..
وحَوَت دكانته البسيطة من لا تحويه السموات والأرض ..
فقد اهتم بالرب يسوع أروع اهتمام .. حتى أن العذراء شهدت عن ذلك وقت فقد ابنهم فى الهيكل وقالت :
” هوذا أبوك وأنا كنا نطلبك معذبين ” (لو 2 : 48) ..
نعم، ما أحوجنا فى هذه الأيام لمثل هذه الأبوة .. سواء على مستوى بيوتنا أو مستوى كنائسنا ..
أبوة تطلب الضال والبعيد ..
أبوة لا تعطى لعينيها نوماً ولا لأجفانها نعاساً حتى تجد للرب مكاناً فى كل قلب ..
كما كانت قيادة يوسف للعائلة المقدسة قيادة حكيمة .. فلقد ظهر له ملاك الرب فى ثلاثة أحلام :
1) ليطمئنه أن الذى فى بطن العذراء ليس من نتاج الزنى، بل من الروح القدس ..
(مت 1 : 20)
2) ليطلب منه أن يأخذ الصبى وأمه ويهرب إلى مصر ..
(مت 2 : 13)
3) ليطلب منه أن يعود إلى أورشليم .. (مت 2 : 19)
لكن فى المرة الثالثة .. لم يكتف يوسف بالرجوع إلى أورشليم بل استعمل عقله وانصرف إلى الجليل إذ وجد أن الحاكم هو ابن هيرودس فخاف منه (مت 2 : 22) ..
فقد يتكلم الله إلينا فى حلم .. وقد يتكلم إلينا من خلال عقولنا .. فقط علينا أن نصغى إليه ولا نتعجل التصرف من أنفسنا ..
إلا أن هناك جانباً فى غاية الروعة نجده فى حياة هذا البطل.. فعندما أعلن الملاك للعذراء أن اليصابات حبلى، وقررت أن تذهب إليها لتعينها وتخدمها ،
لم يقف يوسف فى طريق العذراء ..
ولم يعترض . ولعله شجعها أن تذهب مسرعة إليها ..
ويا له من درس رائع لكل خطيب وزوج وأب ..
فلا يقف عثرة وعائق فى طريق الأخرين بل يدفعهم ويشجعهم أن يحققوا مشيئة الله فى حياتهم ..
فلا يمنعهم من حضور الكنيسة أو من الخدمة أو من العطاء بفرح للمعوزين .. فتكون بيوتنا بيوت صلاة بيوت طهارة بيوت بركة ..
تكون معنا .. أمين .
آية الحفظ
” أما أنا وبيتى فنعبد الرب ”
يشوع 15:24
القس / مجدى خلة
فايبر وواتس اب
009647502720873