الحلقة الثانية من ارسال الرب يسوع للتلاميذ

1ee4571a-b461-45ed-bfeb-bcc23ea21337.jpg

إرساليَّة التلاميذ
لوقا1:9-6

أن السيِّد المسيح كصديقٍ سماويٍ نزل إلى أرضنا وحّل بيننا، واختار له تلاميذ من بين الأمميِّين ليتجلَّى فيهم معلنًا ذاته خلال إمكانيَّاته التي قدَّمها لهم، هذه الإمكانيَّات هي:

أولاً: “ودعا تلاميذه الإثنى عشر”
هذه الدعوة الإلهيَّة للتلمذة لا تحمل قسرًا أو إلزامًا لقبولها عُنوة،
إنما هي عرض حِبّي من الله نحو مُحبوبيه. لكنها في عيني قابليها تمثِّل توكيلاً، خلاله يعمل الوكيل باسم موكِّله ولحسابه وبإمكانيَّاته. فالتلاميذ خلال هذه الدعوة قبَلوا مركزًا جديدًا هو “الوكالة”، يعملون كوكلاء أسرار الله.

ثانيًا: “وأعطاهم قوَّة وسلطانًا على جميع الشيَّاطين وشفاء أمراض

إذ أقامهم وكلاء أسراره لم يبخل عليهم بمنحهم قوته وسلطانه على جميع الشيَّاطين وشفاء أمراض.

كثيرون لهم سلطان خلال مراكزهم كملوك أو رؤساء أو أشراف وقضاة، لكنهم لا يحملون في داخلهم قوَّة، فيُسيئون إلى مراكزهم كما إلى نفوسهم، أما السيِّد المسيح فقد وهبهم مع السلطان قوَّة. هذه القوَّة لا تقوم على مظاهر زمنيَّة خارجيَّة، إنما هي “روحه القدُّوس” الذي يسكن فيهم ويعمل بهم.

لقد ادَّعى الشيطان لنفسه سلطانًا، يسنده في ذلك ضعف البشريَّة التي اِنحنت أمامه ليملك عليها، حتى دُعي “رئيس هذا العالم”، كما دُعِي بالقوي. لكن سلطانه قام على خداعه للبشر وضعف البشرية، وجاءت قوَّته خلال ضلاله واِنحرافه. وكان لزامًا للتلاميذ لكي يُجابهوا هذا العدو أن يحملوا سلطانًا مسنودًا بالقوَّة الإلهيَّة.

ثالثًا: وأرسلهم ليكرزوا بملكوت الله، ويشفوا المرضى

هذه الإمكانيَّة هي “قوَّة الكرازة بالملكوت”، ليست حديثًا فلسفيًا، ولا دعوة لسلوك تقوي فحسب، إنما هي تمتُّع بالملكوت في داخل النفس.
بمعنى آخر الكرازة الرسوليَّة هبة يقدِّمها الروح القدس حين ينقل النفس من الظلمة إلى ملكوت النور، لتنعم خلال مياه المعموديَّة بالبنوَّة لله، وتحوِّل الموقع الداخلي إلى سماء مقدَّسة للرب.

رابعًا: “وقال لهم: لا تحملوا شيئًا للطريق، لا عصى ولا مزودًا ولا خبزًا ولا فضَّة، ولا يكون للواحد ثوبان

إنه يسأل تلاميذه ممارسة الترك والتخلِّي، لا ليعيشوا في حرمان، وإنما ليكون لهم الرب نفسه كل شيء
والعجيب أنه قدَّم لهم القوَّة والسلطان ووهبهم قوَّة للكرازة وعمل الأشفية قبل أن يسألهم الترك؛ يأخذوه هو بكل إمكانيَّاته فيرفضوا الزمنيَّات بكل تفاهاتها.

لقد سألهم ألا يحملوا شيئًا، لا عصى ولا مزودًا ولا خبزًا ولا فضَّة ولا يكون لهم ثوبان، وصيَّة تليق بمن يدخل هيكلاً أو مقدَّسا للرب، فلا يحمل معه شيئًا من أمور هذا العالم، حتى لا يرتبك في شيء أو ينشغل بغير الله. هكذا يليق بالتلاميذ أن تصير حياتهم كلها وكأنها “وجود مع الله في مقدِسه”، يشعرون على الدوام – أينما وُجدوا كمن في مُقدَّسات إلهيَّة.

ليهبنا الله هذا الشعور الذي يملأ القلب مخافة مقدَّسة، ويرفع النفس لتحيا كمن تجلس في السماء، لا ترتبك بحِمل أمور هذه الحياة، ولا تحتاج إلى عصا أو مزود أو خبز أو فضَّة ولا تطلب ثوبين.

خامسًا: “وأيّ بيت دخلتموه فهناك أقيموا، ومن هناك اُخرجوا

لقد وهبهم أيضًا عطيَّة العضويَّة مع بعضهم البعض في جسدٍ واحدٍ، فإذ يجد الرسول بيوت المؤمنين مفتوحة له بكونها منازله الخاصة به، يقيم في أي بيت بلا كُلفة الضيافة، إنما يعيش كواحدٍ من أعضاء الأسرة، يشاركهم طعامهم اليومي العادي، ويبقى هناك حتى يخرج من المدينة.

لعلَّ هذه الوصيَّة أيضًا تقدَّم للخادم اِلتزامًا بالجديَّة في العمل، فلا يستغل محبَّة الناس له في المسيح ويحوِّلها إلى مجاملات، فتتحوَّل حياته إلى ولائم عِوض التركيز على نشر كلمة الله والكرازة بإنجيله. عدم التنقُّل من بيت إلى بيت ينزع عن العائلات روح المنافسة في واجبات الضيافة، الأمر الذي يشتهر به الشرق حتى يومنا هذا.

أخيرًا ربَّما أراد بهذا أن يكون هذا البيت نواة لإِنشاء كنيسة للمدينة، حيث يعتاد المؤمنون أن يلتقوا بالرسل فيه، وهناك يتعبَّدون خاصة ممارسة مائدة الرب في اليوم الأول من الأسبوع. هكذا إذ ينفتح أول بيت للرسول ينال هذه البركة، فإنه على العكس: “كل من لا يقبلكم فاُخرجوا من تلك المدينة، واُنفضوا الغبار أيضًا عن أرجلكم شهادة عليهم

هكذا فعل برنابا وشاول عند خروجهما من أنطاكية (أع 13: 50). ولعلَّه يقصد بذلك أن الأمور الزمنيَّة مهما سمت فهي كالغبار الذي لا موضع له إلا عند القدمين. فعندما يرفُض الناس الكلمة الروحيّة من الخادم، يرفض هو أيضًا منهم حتى أتفه الأمور الزمنيَّة! الكنيسة لا تطلب مالاً بل تنفضه كغبارٍ عن قدميها، إنما تطلب النفوس! وقد جاءت الكنيسة تشدِّد على الأساقفة والكهنة ألا يقبلوا عطايا الأشرار غير التائبين، وكأنها تنفض الغبار على عتبة أبوابهم شهادة عليهم حتى يتوبوا!

يرى احد رجال الله أن هذا الغبار يشير إلى الضعفات التي يليق بالراعي أن يحملها عن شعب الله، كقول الرسول: “من يضعف وأنا لا أضعف” 2 كو 11: 29)، لكن لا يترك الضعفات تلتصق به، بل يلقيها تحت قدَّميه، إذ يقول: [من واجب الكارز بالإنجيل أن يأخذ على عاتقه ضعفات المؤمنين الجسديَّة ويحملها بعيدًا ويسحقها تحت قدميه، هذه الأعمال البطَّالة التي تشبه الغبار.]

Comments

comments

شاهد أيضاً

كنيسة يسوع؟؟؟!!!

كنيسة يسوع !! ? جاء للكنيسة شخص بهيئة فقيرة بدا انه متشرد .. تجول حولها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

 
Chat  
RadioVOH FB page Chat Online
+