جدعون
ما أوسع الفرق بين نابليون و جدعون ، و بين تكتيك المدفعيّة الثقيلة و تكتيك الجرار الفارغة . كان نابليون في الحرب لا يؤمن بالله ، و يقول ساخراً إنّ الله مع المدفعيّة الثقيلة ، و كان يؤمن بثلاثة عناصر يقوم عليها النجاح في الحرب : عدد الجنود ، و التسليح الجيد ، و عبقريّة القيادة . و من العجيب أنّ الثلاثة توفّرت له ، و مع ذلك هزم هزيمة منكرة ، فقد قاد حملته إلى روسيّا ، و كان تكتيك الروس الانسحاب أمامه و حرق المدن بكاملها حتّى لا يجد ملجأ أو طعاماً ، و ذهب بنصف مليون جنديّ ، و عاد ببضعة آلاف ، قد لا تصل إلى الخمسين ألفاً ، و عندما سئل عن سرّ الهزيمة قال : لقد هزمني الجنرال يناير ، و يقصد بذلك الشتاء الروسي ، و في آخر معاركه و واترلو ، و في شهادة واحد من كبار العسكريّين أنّه وفقاً للحساب البشريّ و التخطيط العسكريّ ، كان أوفر حظّاً من ولنجنتون ، و عندما سئل: و من الذي هزمه إذاً ؟.. أجاب ! الله هزم نابليون رغم عبقريّته العسكريّة ، أو مدفعيّته الثقيلة ،..
لم يعرف جدعون العدد الكثير فقد أمره الله ألاّ يُبقيَ من جيش قوامه اثنان و ثلاثون ألفاً إلاّ ثلاثمائة من الجنود ، و ألاّ يحمل معه سيفاً واحداً ، و أن يتسلّح بثلاثمائة من الجرار الفارغة ، و ثلاثمائة من الأبواق ، و ثلاثمائة مصباح ، و كان تكتيكه العسكريّ ، أن يضرب الجنود بالأبواق ، و أن يكسروا الجرار ، و أن يرفعوا المصابيح في أيديهم ، و ذلك في أوّل الهزيع الأوسط ، عندما كان جنود الأعداء غارقين في النوم العميق قبيل منتصف الليل بقليل ،.. و عندما نسأل بعد ذلك ، و مَن الذي هزم المديانيّين إذاً ؟ لا نجد سوى الجواب الوحيد : الله هزم المديانيّين ، و يهزم في كلّ جيلٍ و عصرٍ الطغاةَ مهما كان عددهم و مهما كانت أسلحتهم . إنّ قصّة جدعون من أمتع و أصدق القصص التي يجمل أن نضعها أمام أنظارنا ، و نحن نخوض حرب الحياة ، و معارك الأيّام !!..
أوّلاً – جدعون و القوى الداخلية الكامنة فيه
هل رأيت جدعون عندما باغَتَهُ ملاك الربّ ” فَظَهَرَ لَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ وَقَالَ لَهُ: «الرَّبُّ مَعَكَ يَا جَبَّارَ الْبَأْسِ» ” ( قض6: 12 ) ؟ ، كان جدعون في ذلك في الحضيض نفسيّاً ، في أسوأ حالة يمكن أن يكون عليها الإنسان ، وجهه مملوء بالتراب ، و عيناه لا تكادان تقويان على النظر ، جلس الملاك أمامه تحت البطمة ، و هو عاجز عن رؤياه ، و الأعجب أنّ الملاك مع هذا كلّه يناديه قائلاً ” الرَّبُّ مَعَكَ يَا جَبَّارَ الْبَأْسِ ” ، و هي في نظره سخرية ما بعدها سخرية ، كيف يمكن أن يكون جبّاراً ، و هو الخائف من المديانيّين و الذي يخبط الحنطة في المعصرة ليهرّبها من المديانيّين ، و يكاد يخاف من ظلّه هو ؟.. و لكنّ الملاك مع ذلك يرى فيه رجلاً جبّار بأس ، و أنّ هناك قوى هاجعة في داخله توشك أن تستيقظ ، و توشك أن يكشفها الله له !!.. هل حقّاً ما قاله أحدهم : إنّ الناس أربعة .. رجل يجهل ، و يجهل أنه يجهل ، ذلك مُدَّعٍ اتركه .. و رجل يجهل و يعلم أنّه يجهل ، ذلك بسيط علّمه ،.. و رجل يعلم ، و يجهل أنّه يعلم ذلك نائم أيقظه ،.. و رجل يعلم ، و يعلم أنّه يعلم ، ذلك معلِّم اتبعه !!.. كان جدعون الجبّار النائم الذي جاء الله ليرفع عنه التراب الذي يعفّر وجهه ، و يخرجه من المعصرة الّتي اختبأ فيها ، و من الظلام الذي حاول أن يتدثّر به !!.. و من الندم الذي وصل إليه حتّى عجز عن أن يدرك جبروته الصحيح !
1_ الجبّار الصريح : و كانت هذه سمة من أفضل سمات الرجل ، إنّه ذلك الإنسان الصريح الذي لا يخبّئ في أعماقه شيئاً يداور به الواقع الذي يعيشه ،.. قال له الغريب : الربّ معك ،.. و كان الجواب : لا يا سيّدي ، إنني لا أستطيع أن أصدّق هذه الحقيقة ، و ذلك لأنّ الربّ الذي تذكره لي ، يختلف تماماً عن الذي حدّثنا به آباؤنا ” أَسْأَلُكَ يَا سَيِّدِي، إِذَا كَانَ الرَّبُّ مَعَنَا فَلِمَاذَا أَصَابَتْنَا كُلُّ هذِهِ؟ وَأَيْنَ كُلُّ عَجَائِبِهِ الَّتِي أَخْبَرَنَا بِهَا آبَاؤُنَا قَائِلِينَ: أَلَمْ يُصْعِدْنَا الرَّبُّ مِنْ مِصْرَ؟ وَالآنَ قَدْ رَفَضَنَا الرَّبُّ وَجَعَلَنَا فِي كَفِّ مِدْيَانَ ” ( قض6: 13 ) .. هذا رجل صريح لا يداور الحقيقة الّتي يلمسها بيديه ، و هو يطرحها أمام الغريب الذي يتحدّث معه دون سابق معرفة ،.. ساوره الشكّ ، و هو من أخلص الناس في شكوكهم ، و هو يطرح تجاربه الذهنيّة دون لفّ أو دوران أمام ملاك الربّ و هو لا يعلم ، و ما أجمل أن يكون الإنسان صريحاً ، شفّافاً كالبلّور ، أمام الله ، يعكس الظلال الّتي تقع عليها دون أن يغطّيها أو يداريها ، و هذا أعظم و أجدى أمام السيّد ، من التكلّف و التصنّع و المداورة ،.. فمن الناس من يملأ قلبه التذمّر ، و هو يدّعي الشكر ، أو يمتلئ بالغيظ و هو يدّعي الرضا !!.. جيّد عند الربّ أن تتحدّث بشكوكك و متاعبك و مخاوفك و ضيقك ، و لن يضيق الربّ بهذا الإحساس ما دمت صادقاً مُخْلِصاً أميناً . إنّ صفحات الكتاب ممتلئة بهذه الحقيقة من أناس جابهوا الله بما يعتمل في صدرهم بدون مواراة ،.. و هل رأيت أجرأ مَن يقول لله مع موسى محتجّاً ، و هو يرى أنّ مقابلته لفرعون ، لم تُخْرِجِ الشعب ، بل زادت الطينة بلّة ، أو زاد الثقل عليهم ” 22 فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى الرَّبِّ وَقَالَ: «يَا سَيِّدُ، لِمَاذَا أَسَأْتَ إِلَى هذَا الشَّعْبِ؟ لِمَاذَا أَرْسَلْتَنِي؟ 23 فَإِنَّهُ مُنْذُ دَخَلْتُ إِلَى فِرْعَوْنَ لأَتَكَلَّمَ بِاسْمِكَ، أَسَاءَ إِلَى هذَا الشَّعْبِ. وَأَنْتَ لَمْ تُخَلِّصْ شَعْبَكَ» ” ( خر5: 22-23 ) ؟ و هل وقفت مع إيليا و هو يصرخ لله و يقول ” 20 وَصَرَخَ إِلَى الرَّبِّ وَقَالَ: «أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهِي، أَأَيْضًا إِلَى الأَرْمَلَةِ الَّتِي أَنَا نَازِلٌ عِنْدَهَا قَدْ أَسَأْتَ بِإِمَاتَتِكَ ابْنَهَا؟» ” ( 1مل17: 20 ) ؟ .
و هل سمعت آساف و هو يكاد يترك الدين ” 13 حَقًّا قَدْ زَكَّيْتُ قَلْبِي بَاطِلاً وَغَسَلْتُ بِالنَّقَاوَةِ يَدَيَّ. 14 وَكُنْتُ مُصَابًا الْيَوْمَ كُلَّهُ، وَتَأَدَّبْتُ كُلَّ صَبَاحٍ ” ( مز73: 13-14 ) ؟ .
و هل ذكرت إرميا و قد ناله الجهد و التعب ، إلى درجة التصميم أن لا يذكر اسم الربّ بعد ” 9 فَقُلْتُ: «لاَ أَذْكُرُهُ وَلاَ أَنْطِقُ بَعْدُ بِاسْمِهِ». فَكَانَ فِي قَلْبِي كَنَارٍ مُحْرِقَةٍ مَحْصُورَةٍ فِي عِظَامِي، فَمَلِلْتُ مِنَ الإِمْسَاكِ وَلَمْ أَسْتَطِعْ ” ( إر20: 9 ) ؟ .
و هل أدركت حبقوق و هو يبدأ سفره ” 2 حَتَّى مَتَى يَا رَبُّ أَدْعُو وَأَنْتَ لاَ تَسْمَعُ؟ أَصْرُخُ إِلَيْكَ مِنَ الظُّلْمِ وَأَنْتَ لاَ تُخَلِّصُ؟ ” ( حب1: 2 ) ؟ .
و هل تابعت المعمدان و هو يرسل تلميذيه إلى السيّد قائلاً ” أَنْتَ هُوَ الآتِي أَمْ نَنْتَظِرُ آخَرَ؟ ” ( لو7: 19 ) ؟.. هؤلاء جميعاً كانوا على لظى الشكوك ، و لكنّهم كشفوا أعمال نفوسهم لله ، و لم يضق الله بشكّهم ، إذ كانوا أمناء صادقين دون خداع أو ختال أو رياء !!.
إنّ هناك فرقاً بين شكّ و شكّ ،.. هناك من يشكّ كجدعون ، دون أن تكون له الرغبة في التمسّك بالشكّ أو الإبقاء عليه ، على العكس مِمّن يشكّ و هو مصرّ على عدم التحول عن هذا الشكّ ، مهما كانت البراهين واضحة أمامه ،.. قيل عن الواعظ العظيم فردريك روبرتسن أنّه عاش سنوات متعدّدة في صراع مع الشكّ ، كان أميناً في بسط هذا الشكّ أمام الله ، و لم تضعف الوساوس خدمته على الإطلاق ، حتّى انتصر في معركة الشكّ ، و خرج إلى إيمانه العظيم بالله ،.. قيل عن اثنين من اسكتلندا كان أحدهما شابّاً و الآخر عجوزاً : كان الشابّ مهما تلوّنت الظروف معه ، يؤمن بأنّه يسير إلى جوار الله ، و كان يتكلّم على الطريق معه ، كما يكلّم الإنسان صاحبه الذي يتمشّى معه ، و كان الآخر عجوزاً ، مرض و طال مرضه ، و كان يضع إلى جواره كرسيّاً يطلق عليه كرسيّ الله ، و قد رأوه في لحظة الموت ، و قد مدّ يده إلى الكرسيّ ، و علق أحدهم بالقول هل كان الكرسيّ خالياً ؟!! . كن صريحاً أبلغ الصراحة مع الله ، ما دمت مؤمناً يملؤك الإخلاص الذي يعلم الله !!..
2_ الجبّار الوديع : لم يكن وديعاً فحسب ، بل كان رائعاً في وداعته ،.. يقول له الملاك ” «اذْهَبْ بِقُوَّتِكَ هذِهِ وَخَلِّصْ إِسْرَائِيلَ مِنْ كَفِّ مِدْيَانَ. أَمَا أَرْسَلْتُكَ؟» 15 فَقَالَ لَهُ: «أَسْأَلُكَ يَا سَيِّدِي، بِمَاذَا أُخَلِّصُ إِسْرَائِيلَ؟ هَا عَشِيرَتِي هِيَ الذُّلَّى فِي مَنَسَّى، وَأَنَا الأَصْغَرُ فِي بَيْتِ أَبِي» ” ( قض6: 14-15 ) .. هل وقفت أمام الجبّار الذي يقول: ” أَنَا الأَصْغَرُ ” ؟؟ ، و هل وقفت أمام سرّ من أعظم الأسرار في حياة الأبطال الناجحين الذي يرون نفوسهم على حقيقتها و يقولون ” وَأَنَا الأَصْغَرُ ” ؟؟.. هل علمت لماذا ترك بولس اسمه القديم ” شاول ” ، و عرفه العالم باسم بولس الذي يعني ” صغير ” ؟ لأنّه أدرك هذه الحقيقة ، إنّه يبدأ و يعيش و ينتهي تحت إحساس الإنسان الصغير ، مهما فعل في هذه الدنيا ،.. بل هل تعلم بأنّه نافس جدعون منافسة قويّة في التعبير ” وَأَنَا الأَصْغَرُ ” ؟ فعندما وازن بين نفسه و الرسل قال ” 8وَآخِرَ الْكُلِّ كَأَنَّهُ لِلسِّقْطِ ظَهَرَ لِي أَنَا. 9لأَنِّي أَصْغَرُ الرُّسُلِ أَنَا الَّذِي لَسْتُ أَهْلاً لأَنْ أُدْعَى رَسُولاً لأَنِّي اضْطَهَدْتُ كَنِيسَةَ اللهِ ” ( 1كو15: 8-9 ) ؟؟ على أنّه في الموازنة أكثر من ذلك مع القدّيسين قال ” 8لِي أَنَا أَصْغَرَ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ أُعْطِيَتْ هَذِهِ النِّعْمَةُ، أَنْ أُبَشِّرَ بَيْنَ الأُمَمِ بِغِنَى الْمَسِيحِ الَّذِي لاَ يُسْتَقْصَى ” ( أف3: 8 ) . لم يضع بولس مجرّد الموازنة مع الرسل ليرى نفسه أصغرهم ، بل مع جميع القدّيسين ليقول أنا الأصغر !!..
هل الإحساس بالأصغر هو المغالاة في التعبير عند جدعون أو بولس أو مَن على شاكلتهما من العظماء ؟ أو هو الاكتشاف الصحيح الذي ينبغي أن يكتشفه جبابرة الأرض أمام السيّد ” 22 الْجَالِسُ عَلَى كُرَةِ الأَرْضِ وَسُكَّانُهَا كَالْجُنْدُبِ. الَّذِي يَنْشُرُ السَّمَاوَاتِ كَسَرَادِقَ، وَيَبْسُطُهَا كَخَيْمَةٍ لِلسَّكَنِ. 23 الَّذِي يَجْعَلُ الْعُظَمَاءَ لاَ شَيْئًا، وَيُصَيِّرُ قُضَاةَ الأَرْضِ كَالْبَاطِلِ ” .. و هل يزيد الإنسان أمام الله مهما كانت عظمته عن الجندب أو الجراد ؟ ؟ و ما الفرق بين جرادة و جرادة ؟؟ لو أنّك رأيت نملاً يندفع في خطّ طويل أمامك ، ما الفرق بين نملة و أخرى ؟؟ إذا رأيت عشباً هنا أو عشباً هناك ، ما الفرق بين هذا و ذاك ؟؟ و الإنسان عشب ” «كُلُّ جَسَدٍ عُشْبٌ، وَكُلُّ جَمَالِهِ كَزَهْرِ الْحَقْلِ. 7 يَبِسَ الْعُشْبُ، ذَبُلَ الزَّهْرُ، لأَنَّ نَفْخَةَ الرَّبِّ هَبَّتْ عَلَيْهِ. حَقًّا الشَّعْبُ عُشْبٌ! 8 يَبِسَ الْعُشْبُ، ذَبُلَ الزَّهْرُ. وَأَمَّا كَلِمَةُ إِلهِنَا فَتَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ» ” ( إش40: 6-8 ) … عندما اعتلت الملكة ولهلمينا عرش هولندا ، علّمتها أمّها دائماً أن تكون متواضعة صغيرة ،.. ذات مرّة طرقت غرفة أمها ، و عندما صاحت الأم : مَن بالخارج ؟؟ جاء الجواب : ملكة هولندا.. أريد الدخول ،.. و لم يكن من مجيب !!.. و عادت الابنة تطرق .. و كان السؤال : مَن بالخارج ؟.. و جاء الجواب: ولهلمينا هولندا ؟!!.. و لم يكن من مجيب ، ثمّ طرقت الابنة مرّة ثالثة ، و إذا بالسؤال : مَن بالخارج ؟.. و كان الجواب ابنتك الصغيرة و عندئذ قالت الأم : ادخلي !!.
كان لورد كلفن من أعظم علماء علم الأحياء ، و كانوا يسألونه عمّا فعل و أنجز .. فيأتي الجواب : لا شيء و حياتي فاشلة !!.. و عندما انتصر إبراهام لنكولن على منافسه ، و أصبح رئيساً للولايات المتّحدة .. قال : في الحقيقة أنا لا أصلح أن أكون رئيس الولايات المتّحدة .. و طالما سمع الناس أينشتاين العظيم يقول : إنّ سرّ ما وصل إليه يرجع إلى العديد من تلاميذه المجهولين غير المعروفين !!.. لقد بلغ جدعون السرّ الذي قال عنه المسيح لتلاميذه بعد قرون طويلة ، و هو يقيم ولداً صغيراً في الوسط ، إذ رآهم يتشاجرون عمّن يكون الأعظم ،.. و قال ” لأَنَّ الأَصْغَرَ فِيكُمْ جَمِيعاً هُوَ يَكُونُ عَظِيما ” ( لو9: 48 ) ..
3_ الجبّار المناضل : عندما جاءه الملاك ، لم يجده مسترخياً في مكانه ، أو نائماً في سريره بل جاءه في الوقت الذي كان فيه يخبط الحنطة ، و يبدو أنّها كانت كمّيّة قليلة لا تحتاج إلى نورج ، أو أنّه لا يجد النورج بسهولة ، فهو يقوم بالعمل مهما كلّفه من جهد و تعب ، كان الرجل بطبيعته مناضلاً متحرّكاً ، و هو لهذا من النوع المحبوب لدى الله ،.. إنّ الله لا يهتمّ بنوع العمل الذي تقوم به ، و مقدار ما فيه من عظمة و جلال و مجد ، بل يهمّه أوّلاً و أخيراً أن تقوم بالعمل بأمانة و جدّ و إخلاص ، مهما بدا العمل صغيراً أو حقيراً.. عندما طلب الله موسى ، طلبه و هو يرعى أغنام حميه في مديان ، و عندما طلب داود طلبه عندما كان داود وراء الأغنام في بيت لحم ، و عندما وجد جدعون وجده و هو يخبط الحنطة ،.. قم بعملك مهما كان صغيراً ، و لا تنتظر مؤجّلاً العمل حتّى تصل إلى ظروف أسمى و أفضل ، إنّ الله يأتي إليك حتّى و لو كنت وراء قليل من الحنطة ، تعمل في معصرة دون أن ينتبه إليك أحد … قيل عن رجل حُكِمَ عليه بالسجن مدى الحياة ، و كان الرجل يهوى الموسيقى و لم يقل الرجل أنّ لا أَمَلَ في الخروج ، بل كان في السجن يلحّن و يدرس الموسيقى حتّى أصبح من أعظم رجال الموسيقى في عصره ، و خرج من السجن بالعفو ليجد نفسه يسمع الدنيا بأكملها موسيقاه ،.. قد تكون سجين ظروف قاسية في سجن الفقر ، أو الاضطهاد ، أو المرض ، أو التعب ، أو العزلة ، اعمل دون أن تستهين يوماً بالأمور الصغيرة ، فإنّ أعظم أعمال الدنيا جاءت من أناس بدأوا صغاراً و عملوا !!..
ثانياً – جدعون و الخطيّة المانعة
كان السؤال الذي وضعه جدعون أمام الملاك : هل تَغَيَّرَ الله ؟. و لماذا لا تظهر عجائبه الّتي سمعها من آبائه و أجداده ؟؟ و كان عليه أن يعلم أنّ الله ليس عنده تغيير أو ظلّ دوران ،.. و أنّ البشر هم الذين يتغيّرون ، و يكفي أن يلقي جدعون أقرب نظرة إليه ، في بيته و عند أبيه ليرى كم كان التغيير مخيفاً و مؤلماً و بشعاً ،.. لقد تفشّت الوثنيّة في الشعب إلى درجة أنّ أباه أقام مذبحاً للبعل ، و يعتقد البعض أنّ هذا المذبح كان لأبيه خاصّة ، و يرى آخرون بأنّه كان لأبيه و للمدينة كلّها ، و ما من شكّ بأنّ الله ضاق بهذا التحوّل عنه ، و سَلَّمَ الشعب للأعداء ، و كان لا يمكن أن ينقذهم قبل أن يطهّرهم من الفساد الذي وصلوا إليه ، و هذا التطهير له الجانب السلبيّ في هدم مذبح البعل ، و الجانب الإيجابيّ في بناء مذبح الربّ على رأس الحصن ليبقى مرتفعاً و منظوراً من الجميع ، و هناك تساؤل : هل قدّم جدعون العجلين ذبيحة أو العجل الواحد ؟؟ و أغلب الظنّ أنّه قدّم عن نفسه عجل أبيه ، لكنّ الأهمّ كان العجل ابن السبع سنين ، و هي سنو الفساد و الاستعباد الّتي أدخلها المديانيّون إلى حياتهم ، و كانت الذبيحة هنا إشارة لهدم كلّ رابطة تربطهم بالوثنيّة السوداء الّتي عاشوا فيها !!..
عندما دخلت الخطيّة حياة الشعب دخل الخراب ، فقد استولى المديانيّون على كلّ شيء ، و كانوا أشبه بالجراد الذي يأكل كلّ شيء و لا يترك وراءه إلاّ أرضاً جرداء بدون ثمر أو طعام . و دخل الحزن ، و كثرت الضحايا ، و سقط الشباب كالأعواد الزاهرة الذاوية ، و قُتِلَ ذبح و صلمُنَّاع سبعين رجلاً هم إخوة جدعون الأشقّاء ، و دخل الفزع ليصنع فعله القاسي في حياة الناس ، إذ لم يعد هناك أمان أو اطمئنان . و عندما جاء الملاك كان جدعون يخبط حنطته في خوف و رعب ليهرب بها من المديانيّين .. و كان على جدعون قبل أن يحتجّ أو يصنع شيئاً أن يقول ما قاله إرميا في مراثيه فيما بعد ” 39 لِمَاذَا يَشْتَكِي الإِنْسَانُ الْحَيُّ، الرَّجُلُ مِنْ قِصَاصِ خَطَايَاهُ؟ 40 لِنَفْحَصْ طُرُقَنَا وَنَمْتَحِنْهَا وَنَرْجعْ إِلَى الرَّبِّ ” ( مرا3: 39-40 ) ..!!
ثالثاً – جدعون و الإيمان المستردّ
كان العنصر الأساسيّ في حياة جدعون أن يتخلّص من كلّ شكّ ، و بعد أن يطهّر نفسه و الشعب يستردّ إيمانه العظيم بالله ، الإيمان الذي صنع العجائب العظيمة مع آبائه ، و يمكن أن يصنعها أيضاً معه ،.. و قَبِلَ الله ذبيحته الأولى ، و قَبِلَ أن يعطيه البرهان في الجزّة مرّتين ، مرّة تمتليء بالطلّ و الأرض جافة ، و الثانية عندما تجف و الأرض كلّها ممتلئة بالطلّ ،.. و زاد الله بأن أسمعه حلم المديانيّ الذي تحدّث عن رغيف الخبز من الشعير الذي قَلَبَ خيمته ، و الذي فسّره الآخر بأنّه سيف جدعون بن يوآش رجل إسرائيل ..
كان باسكال الفيلسوف معجباً إلى الحدّ الكبير بجدعون بن يوآش ، و هو صاحب ذلك الخيال الطريف ، و الذي ذكر فيه أنّ أم جدعون أخذت جزّة ابنها ، و صنعت منها صديرياً يلبسه على صدره كلّ حين ، و يذكّره على الدوام بإيمانه بالله ، كلّما تعرض هذا الإيمان لهزّة من الهزّات ، و سار جدعون بإيمانه ليدخل ركب التاريخ و صفوف الأبطال ، و يكتب اسمه في الرسالة إلى العبرانيّين قبل أن يعوز الوقت الكاتب الذي جعله يمرّ بالكثيرين دون أن يذكر أسماءهم و أفعالهم العظيمة !!..
كان الفرق بين إيمان جدعون الأوّل و إيمانه الثاني : أنّ الإيمان الأوّل كان إيماناً إخباريّاً نقل إليه من الكثيرين عمّا فعل الربّ مع آبائه و أجداده في القديم ، أمّا الإيمان الثاني ، فهو الإيمان الاختباريّ الذي فيه تلاقى مباشرة مع الله و اختبره ، و هناك فرق عظيم ، بين مجرّد السمع ، و بين الاختبار الفعليّ ، و بين أثر هذا و ذاك في حياة الناس ، و يكفي أن نرى الفرق بين إيمان أهل سوخار بسبب ما قالت المرأة السامريّة لهم ، و إيمانهم المباشر بعد لقاء المسيح المبارك معهم ” 39فَآمَنَ بِهِ مِنْ تِلْكَ الْمَدِينَةِ كَثِيرُونَ مِنَ السَّامِرِيِّينَ بِسَبَبِ كلاَمِ الْمَرْأَةِ الَّتِي كَانَتْ تَشْهَدُ أَنَّهُ: قَالَ لِي كُلَّ مَا فَعَلْت . 40 فَلَمَّا جَاءَ إِلَيْهِ السَّامِرِيُّونَ سَأَلُوهُ أَنْ يَمْكُثَ عِنْدَهُمْ، فَمَكَثَ هُنَاكَ يَوْمَيْنِ.41فَآمَنَ بِهِ أَكْثَرُ جِدّاً بِسَبَبِ كلاَمِهِ. 42وَقَالُوا لِلْمَرْأَةِ: إِنَّنَا لَسْنَا بَعْدُ بِسَبَبِ كلاَمِكِ نُؤْمِنُ، لأَنَّنَا نَحْنُ قَدْ سَمِعْنَا وَنَعْلَمُ أَنَّ هَذَا هُوَ بِالْحَقِيقَةِ الْمَسِيحُ مُخَلِّصُ الْعَالَم ” ( يو4: 39-42 ) .
رابعاً – جدعون و المعركة الناجحة
و مع أنّ معركة جدعون كانت من أغرب المعارك التاريخيّة على وجه الأرض ، إلاّ أنّه يمكن أن نلاحظ عليها ما يلي :
1_ استراتيجيّة القائد الأعلى : كان على الجنود أن يصرخوا ” سَيْفٌ لِلرَّبِّ وَلِجِدْعُونَ ” ( قض7: 20 ) .. و لئن كان جدعون هو الأداة البشريّة فإنّ الله هو القائد الأعلى ، و هذا القائد لا يسير بمنطق الناس أو حكمتهم أو فهمهم البشري ، بل إنّه على العكس يقلب كلّ شيء و يجعله مضادّاً للفكر البشريّ ، و السرّ في ذلك كما قال هو ” لِئَلاَّ يَفْتَخِرَ عَلَيَّ إِسْرَائِيلُ قَائِلاً: يَدِي خَلَّصَتْنِي ” ( قض7: 2 ) . و من ثمّ فقد تقدّم للحرب اثنان و ثلاثون ألفاً ، فوصل بهم الله إلى ثلاثمائة جندي ، و حتّى يقطع الطريق تماماً على كلّ ادّعاء بشريّ ، جرّد الثلاثمائة جنديّ من كلّ سلاح يستخدم في المعارك و من العجيب أنّ هذه استراتيجيّته الثابتة في كلّ معارك الحياة ، كلّما أراد أن يصنع المعجزات ، و يغيّر التاريخ ، و يكفي أن نرى في كلّ العصور ” 26فَانْظُرُوا دَعْوَتَكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ لَيْسَ كَثِيرُونَ حُكَمَاءَ حَسَبَ الْجَسَدِ. لَيْسَ كَثِيرُونَ أَقْوِيَاءَ. لَيْسَ كَثِيرُونَ شُرَفَاءَ. 27بَلِ اخْتَارَ اللهُ جُهَّالَ الْعَالَمِ لِيُخْزِيَ الْحُكَمَاءَ وَاخْتَارَ اللهُ ضُعَفَاءَ الْعَالَمِ لِيُخْزِيَ الأَقْوِيَاءَ 28وَاخْتَارَ اللهُ أَدْنِيَاءَ الْعَالَمِ وَالْمُزْدَرَى وَغَيْرَ الْمَوْجُودِ لِيُبْطِلَ الْمَوْجُودَ 29لِكَيْ لاَ يَفْتَخِرَ كُلُّ ذِي جَسَدٍ أَمَامَهُ ” ( 1كو1: 26-29 ) .. و هو إلى جانب هذا يرفض الأسلحة البشريّة التقليديّة ،.. هل قرأت ذلك الخيال الطريف الذي تصوّره أحدهم ، أنّ المسيح في عودته إلى السماء ، استقبلته الملائكة ، و قال لقد أتممت الرسالة و تركتها وديعة في يد الذين سينشرونها في الأرض ؟؟.. و سأل الملائكة : هل هم فلاسفة الأرض ؟ و قال المسيح : كلاّ .. هل هم أغنياء الأرض ؟ و أجاب: كلاّ .. هل هم مجموعة من الجيوش الزاحفة في الأرض ؟ و قال المسيح : إنّهم جماعة من الصيّادين الفقراء الذين لا يملكون شيئاً ، و إنّما يحملون اسمي معهم في كلّ مكان !!.. إنّ أنظار الأصدقاء و الأعداء تتّجه في معركة جدعون إلى الله و إلى الله وحده !!..
2_ استراتيجيّة الجندي الناجح : عندما صرخ الجنود ، كانت صرختهم ” سَيْفٌ لِلرَّبِّ وَلِجِدْعُونَ ” ( قض7: 20 ) ، و مع أنّ جدعون يستوي و العدم بالنسبة للمعركة ، لكنّ وجوده و وجود جنوده أمر أساسيّ و جوهريّ في النصر ، و بكلّ إجلال و احترام لله ، نقول : إنّه لا يصنع شيئاً في الأرض إلاّ إذا استخدم الأداة البشريّة ، لكنّ السؤال يأتي : مَن هم الذين يستخدمهم الله ؟؟.. إنّ الله هنا يهتمّ بالنوع أكثر من العدد ، لقد أعاد من المعركة الخائفين الذين ليس لهم قوّة الإيمان و جسارته ، و أدخل البقيّة الأخرى في الامتحان عند شرب الماء فالذي جثا على ركبتيه للشرب كان في جانب ، و الذي وَلغَ بيده كما يَلغُ الكلب كان في جانب آخر ، و كان العدد الأخير ثلاثمائة ، هم الذي دخلوا المعركة ، أمّا الآخرون فسرّحوا ، و يعتقد كثيرون أنّهم سرّحوا لأنّ الانبطاح على الوجه ، كان عادة الذين تعوّدوا الانبطاح أمام البعل في العادة ، و هؤلاء مرفوضون أي لأنّهم كانوا في السهل ، و أعداؤهم كانوا في أعلى الجبل و يسهل أن يهاجموهم و هم على هذا الوضع ، و لا يجوز لإنسان أن يدخل المعركة ، ثمّ ينبطح على وجهه ، أو لأنّهم يريدون أن يشربوا ملء بطونهم ، و ليس لهم حركة الآخرين ، و تأهّبهم ، الذين يرون فقط ظمأهم و هم مثل آبائهم الذين خرجوا من مصر و أحقاؤهم مشدودة ، و الأحذية في أرجلهم ، لأنّهم على استعداد للحركة السريعة !!.. أيّاً كان الفكر ، فممّا لا شكّ فيه أنّ ” النوع ” في الثلاثمائة هو الأفضل و الأنشط و الأكثر استعداداً و تأهّباً للقتال !!..
من طريف ما يذكر أنّ أحد رجال الله قال لزميله الذي سأله عن الأحوال و أجاب الآخر : رائعة إذ أنّ الكنيسة في نهضة عظيمة ، لقد شطبنا من عضويّتها خمسين عضواً ،.. و كانت هذه حقّاً نهضة عظيمة ، إذ أنّ الله يسرّ بالنوع أكثر من الكمّ ، و الثلاثمائة بغيرتهم و حركتهم و جسارتهم أفضل من ثلاثين ألفا أو يزيد من الخائفين أو الكَسَلَة ، أو المتردّدين أو المنبطحين على وجوههم !!..
3_ استراتيجيّة الوسيلة البارعة : باغت جدعون الأعداء عندما تثقّل نومهم في أوّل الهزيع الأوسط الذي يبدأ حسب النظام اليهوديّ من الساعة العاشرة إلى الثانية صباحاً ، و طوّقهم من ثلاث جهات ، و هم يستيقظون على فرقعة الجرار المكسورة و الأنوار المرتفعة ، و الأبواق الضاربة ، فلا يعتقدون أنّ المهاجمين هم ثلاثمائة جندي بغير سلاح ، بل هم جيوش جرّارة تطوّقهم من ثلاث جهات ، و في الفزع و الرعب لا يُعرف العدوّ من الصديق ، و إذا بهم كلّ واحد يقتل جاره ، لم يقاتل جدعون أجساد أعدائه ، بل قاتل أذهانهم ، و ساعد بعضهم على إهلاك بعض !! و في المعارك الروحيّة ، نحن لسنا إلاّ جراراً فارغة يستخدمها الله أفضل استخدام ، رغم تصدّعها و ضعفها ، و لا قدرة لنا إلاّ أن نرفع أمام العالم الغارق في الظلام مشاعل النور و الحقّ و الخير و السلام ،.. و ليس لنا من سلاح إلاّ كلمة الله نبوّق بها للناس ، فإذا بعالم الخطيّة و الفساد و الشرّ يسقط تحت أقدامنا أسرع من البرق !!..
ترى هل نستطيع أن نستعيد الوسيلة القديمة البارعة ، فلا نرى نفوسنا في معارك الحياة ، سوى جرار فارغة تحمل مشعل النور العظيم للعالم ، و بوق الكلمة الإلهيّة كصوت صارخ في البرّيّة ؟!!
خامساً – جدعون و التجربة الزاحفة
و هذا آخر ما تنتهي به في قصّة الرجل ، لقد واجهته التجربة في قمّة انتصاره فرفضها عندما طُلب منه أن يكون ملكاً على الشعب ، زمجرت التجربة في وجهه ، و لكنّه أبى أن يأخذ مكان الله و قال ” لاَ أَتَسَلَّطُ أَنَا عَلَيْكُمْ وَلاَ يَتَسَلَّطُ ابْنِي عَلَيْكُمُ. اَلرَّبُّ يَتَسَلَّطُ عَلَيْكُمْ ” ( قض8: 23 ) .. و تركه الشيطان إلى حين ، ليداوره مرّة أخرى ، و لكن بأسلوب آخر لا كملك بل ككاهن ، فصنع أفوداً و ابتعد عن شيلوه ، و كان ذلك فخّاً له و لبيته و لشعب الله ،.. إنّ جدعون يذكّرنا على الدوام ، بأنّه لا يوجد فينا إنسان محصّن ضدّ التجربة و أنّه في الصغر و الصبا و الشباب و الشيخوخة ، نحن في حاجة إلى أن نصرخ ” 23 اخْتَبِرْنِي يَا اَللهُ وَاعْرِفْ قَلْبِي. امْتَحِنِّي وَاعْرِفْ أَفْكَارِي. 24 وَانْظُرْ إِنْ كَانَ فِيَّ طَرِيقٌ بَاطِلٌ، وَاهْدِنِي طَرِيقًا أَبَدِيًّا ” ( مز139: 23-24 ) ..
هل صرخ جدعون هذه الصرخة أو مثلها ؟؟.. و هل تاب عنها ؟؟.. نحن نشكر الله الذي لم يحرمنا من الرجاء فيه أو في شمشون من بعده ، عندما نقرأ الكلمات الإلهيّة و نراه من أبطال الإيمان في الرسالة إلى العبرانيّين القائلة ” 32وَمَاذَا أَقُولُ أَيْضاً؟ لأَنَّهُ يُعْوِزُنِي الْوَقْتُ إِنْ أَخْبَرْتُ عَنْ جِدْعُونَ، وَبَارَاقَ، وَشَمْشُونَ، وَيَفْتَاحَ، وَدَاوُدَ، وَصَمُوئِيلَ، وَالأَنْبِيَاءِ ” ( عب11: 32 ) !!.. شكراً لأجل النعمة الّتي أنقذت
جدعون.. و أنقذت شمشون أيضاً !!.
القس / مجدى خلة
فايبر وواتس اب
009647502720873
الوسومإدلب ترامب الحب و الحنس
شاهد أيضاً
كيف تتأكد من خلاصك ؟
كيف تتأكد من خلاصك …