موسى النبى كخادم
إختيارنا لموسى النبي كنموذج للخادم لأن شخصيته بها الكثير الذي ينبغي على الخادم أن يضعها أمامه باستمرار مثل إعداده للخدمة .. أمانته .. طول أناته .. شفاعته .. محبته لشعبه .. نتحدث في أربع نقاط خاصة في شخصية موسى النبي وهي :
1. إعداده للخدمة .
2. شخصيته الحليمة .
3. وكيل عن الشعب .
4. شفيع عنهم .
أولاً .. إعداده للخدمة :
من البداية الله استخدم جمال موسى لإنقاذ موسى .. وهو طفل عندما أمر فرعون مصر أن يقتل كل بكر في بيوت اليهود .. وفي نفس الوقت سمح الله أن يُربى موسى في قصر فرعون ” 40 ” سنة .. وهذا هو أول الإعداد للخدمة .. الله يعرف أن موسى سيدخل هذا القصر فيما بعد ليتفاوض مع فرعون لكي يُخلِّص الشعب .. فتهذب موسى بكل حكمة المصريين حتى يعرف كيف يتفاوض مع فرعون .
لذلك يسمح الله بظروف يمر بها الخادم في حياته من طفولته وصداقاته وضيقات وتجارب وخبرات حتى يستخدم الله كل هذا في تكوين شخصية الخادم .
عند هروب موسى من مصر بعد قتله للمصري سمح الله بهذا لكي يعطيه درس في عدم الإندفاع والتهور .. ففي مرحلة البرية بدأ موسى في مرحلة الإعداد والتهذيب .. بدأ يعمل كراعي غنم .. فهناك علاقة بين راعي الغنم وراعي الخراف الناطقة ( الخادم ) .. ووجدنا ربنا يسوع المسيح يُشبِّه نفسه بإنه راعي صالح .
ظلَّ الإعداد في البرية ” 40 ” سنة .. إعداد للكيان والفكر والذات والطباع .. فأصبح موسى المتكل على ذراعه أصبح إتكاله كله على الله .. من رفاهية إلى بساطة .. صاغهُ الله من جديد لكي يُناسب الرسالة الجديدة .. في جميع مراحل حياتك سلِّم نفسك لله وأنت متأكد إنه سيستخدمك في المرحلة القادمة .
أراد الله أن يُعيد تشكيل وجدان موسى من جديد .. « عاد وعمله وعاء آخر » ( إر 18 : 4 ) .. وبدأ يتنازل موسى أخيراً عن ذاته وكرامته .. كل ظروف الحياة هي جزء من رسالتك .. يرغب الله أن يعلمك ما هو جديد لكي يستخدمها في مجدك .. ضعف .. تجربة .. ظروف مجتمع .
جميل أن تعيش في فترة إعداد كل أيام حياتك .. وأجمل ما في كنيستنا إنها تجعل الإنسان يعيش باستمرار بقلب تلميذ .. فإن كل مرشد له مرشد .. وكل مُعلِّم له مُعلِّم .. سلِّم نفسك لعمل الروح لكي يشكِّله حسب إرادة الله .
أجمل ما في موسى في فترة إعداده هي إنكسار ذاته .. فإن رائحة الطيب لا تخرج من القارورة إلاَّ لو انكسرت .. إنكساره جاء من القفر ورعي الغنم .
ثانياً .. شخصيته الحليمة :
في سفر العدد يقول « وأما الرجل موسى فكان حليماً جداً أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض » ( عد 12 : 3 ) .. فالإنسان بطبعه متعجل ومتعصب فكيف يتحول الإنسان إلى حكيم ؟ يقول أحد الآباء « أن موسى النبي كان غضوب .. وفيما بعد كان هو الذي يُهدِّئ من غضب الله » .. يقول الله إلى موسى « اتركني ليحمى غضبي عليهم وأفنيهم » ( خر 32 : 10) .. فقال موسى « ارجع عن حمو غضبك واندم على الشر بشعبك » ( خر 32 : 12) .
رأينا مواقف ومحطات كثيرة تمرد فيها الشعب على الله وعلى موسى .. كل هذا وظلَّ هو حليم جداً .. ورأينا بولس الرسول يقول « أطلب إليكم بوداعة المسيح وحلمهِ » ( 2كو 10 : 1) .. كن طويل الأناة واعرف أن الله سيتدخل وإن تأنَّى .
لماذا كان هناك عشر ضربات .. إن كانت خطة الله هي خروج الشعب ؟ لماذا لم يحررهم من البداية .. الله يرغب أن يُخلِّصهم بذراع رفيعة .. أراد الله أن يعطي درس للعالم كله ( كل الأمم ) من خلال الضربات العشرة .. فإن الضربات العشرة كان لكل ما كانت تعبده الأمم يحول النهر إلى دم ( فهناك من يعبد النهر ) .. ولمن يعبد البقر فضرب الله البقر .
قديماً كانت الشعوب بدائية .. تعرف قدرة إلههم عن طريق :
أ . الحروب ب . الرخاء
الله أراد أن يُعلن عن طريق الضربات إقتداره هو ويعرَّف الجميع إنه الإله وحده .
إن تذوقت حنان الله معك وطول أناته عليك ستمتلئ أنت بالحنو وطول الإناة .. لو تذوقت غفران الله غير المحدود ستعرف كيف تغفر بلا حدود .. أي أن علاقتي كشخص بالآخرين هو إنعكاس لعلاقتي مع الله .
ثالثاً .. وكيل شعبه :
كان الله يتعامل مع الشعب على أنه شعبه هو .. وموسى أداة .. هو المفوض والوكيل لكن صاحب الشعب هو الله .. « رأيت مذلة شعبي » ( خر 3 : 7 ) .. حذاري وأنت في الخدمة تقول إنهم خاصتك وحدك وأولادك .. إن القديس أُغسطينوس كان حينما يقف ليصلي أمام الله يقول « أطلب إليك من أجل سادتي عبيدك » .. هذا شعب اقتناه المسيح بدمه وملكيته الخاصة .. وأما دور الخادم إنه وكيل لله فقط .. يقول معلمنا بطرس الرسول « ارعوا رعية الله التي بينكم » ( 1بط 5 : 2 ) .. فهو الذي يدبر .. والخادم له رسالة يأخذها من الله تجاه مخدومينا .. فأنت تتكلم بأقوال الله .. لا تتخطى دورك هذا .. إعرف إنك وكيل ويجب أن تكون أمين مثل موسى الذي كانت رسالته ثقيلة وشعب متمرد وفرعون قاسي وظروف البرية صعبة .
يقول سفر الخروج « الله لم يهدهم في طريق أرض الفلسطينيين مع أنها قريبة لأن الله قال لئلا يندم الشعب إذا رأوا حرباً ويرجعوا إلى مصر » ( خر 13 : 17) .. أراد وسمح الله بذلك وظلوا في حالة توهان في البرية ” 40 ” سنة حتى لا يعرف أحد أن يرجع إلى أرض مصر ثانياً لو رغب في ذلك .. أحد الآباء يعلمنا حقيقة ذهبية فيقول « ليتك تتكلم مع الله من أجل مخدوميك أكثر من أن تكلم مخدوميك عن المسيح » .
رابعاً .. شفيع لهم :
ما أجمل الخادم كشفيع .. لا ترى الضعف وتنقضه وتوبخ الضعيف .. بل هذا الضعف ضعه على نفسك .. إقرأ سفر الخروج يقول « فسد شعبك الذي أصعدتهُ من أرض مصر … صنعوا له عجلاً مسبوكاً ……. اتركني ليحمى غضبي عليهم وأفنيهم » ( خر 32 : 7 – 10) .. فوجدنا موسى يتضرع أمام الله وقال « لماذا يارب يحمى غضبك على شعبك الذي أخرجته من أرض مصر » ( خر 32 : 11) .. بدأ موسى يُذكِّر الله بكل أعماله مع شعبه منذ خروجهم من أرض مصر حتى النهاية .. وذكَّر الله بوعده لإبراهيم وإسحق ويعقوب بأنه سيعطي لهم الأرض ولنسلهم فيقول الكتاب المقدس « فندم الرب على الشر الذي قال إنه يفعله بشعبه » ( خر 32 : 14) .
إجعل عندك روح الشفاعة .. الله أرسلك لهذا الدور .. ما أجمل قول الكاهن في القداس عن خطاياه وخطايا الشعب وأن هذا بسبب جهالاته .. إنه يحنن قلب الله ويقول له أن هذا بسبب جهالاته .
رأينا عندما أتى الله بالوبأ على الشعب صلى موسى إلى الله فقال له أن يأخذ بخور من على المذبح وتجعل هارون يبخر في وسط الشعب فوقف الوبأ ( عد 16 : 41 – 50 ) .. ما أجمل أن يكون موقف الخادم هكذا .جميل عندما يكون هناك ما يُحيرك أن ترفع ذلك إلى الله وهو الذي يقول لك ماذا تفعل من أجل المخدوم .. جميل أن يحمل الخادم فكر الله ويوصله للمخدوم .. وجدنا من ما سبق أن موسى النبي تعلَّم من إتضاعه وتعلَّم من حِلمه ووداعته .. تعلَّم موسى لأنه لا ينشغل بروح العالم إعرف أن رسالتك مهمة وخدمتك مهمة .. تعلَّم كيف تكون وكيل أمام الله وتتشفع من أجل الآخر وتعلَّم كيف تكون مراحل حياتك حلقة لإعدادك من أجل خدمة يسوع المسيح .ربنا يكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته له المجد دائماً أبدياً آمين