الإحباط الروحي
إيليا، نبي الله، الرجل الذي قال أن لا يكون هناك طلاً ولا مطراً وإستجاب له الرب ولم يكونا إلا عند قوله، الرجل الذى عرف معنى إعالة الله عن طريق الغربان رغم طبيعتها الخاطفة. الرجل الذي أعاله الرب من خلال إمرأة أرملة، بل الرجل الذي إستخدمه الرب في إستبقاء حياة الأرملة وإبنها بكوار الدقيق وكوز الزيت إلى أن أتى المطر. الرجل الذي صرخ للرب لترجع نفس إبن الأرملة إليه فإستجاب له الله. الرجل الذي لم يخشى آخاب الشرير بل أطاع صوت الرب ليترائى له. الرجل الذي سار إليه الملك لملاقاته، بل الذي تكلم مع الملك بكل شجاعة موبخاً وموضحاً سبب الكدر وإرتباطه بترك وصايا الرب. الرجل الذي أمر الملك بأن يجمع له الشعب والأنبياء الكذبة، ووقف أمام كل هؤلاء بكل شجاعة موبخاً. الرجل الذي كان له الإيمان بإلهه وعرف من هو إلهه الذى سينُزل النار من السماء. الرجل الذي سخر من الأربعمائة وخمسون نبي الذين كانوا للبعل. الرجل الذي رمم مذبح الرب، وعلم أن إلهه لا يحتاج لمساعدات خارجية بل ليقطع كل ظن صب 12 جرة ماء علي الذبيحة والحطب. الرجل الذي صلى ونزلت نار الرب وأكلت كل شئ. بل الرجل الذي ذبح كل أنبياء البعل دون أن يفلت منهم أحد. هذا العملاق في الإيمان والطاعة والثقة والقدرة والقوة والشجاعة والإتكال، بل الرجل الذي عاين الله بهذا القرب وهو يعمل ، ما الذي جعله يخور وينهار ويخاف ويهرب بل ويطلب الموت لنفسه؟
ماذ حدث لإيليا؟ هل نسى؟ هل إعتبر ما إجتازه في الماضي هواجس أو أحلام؟ هل ظن أن إيزابل أقوى من الله؟ هل تخيل أن أمره وعمره في يد هذه الشريرة.
ببساطة لقد خاف إيليا على نفسه وشعر أنه الوحيد الباقي أميناً للرب، فعندما ننظر إلى دواخلنا نفقد كل أسلحتنا الروحية، عندما ننظر للمنظور أياً كان، فكر أو منطق، قوة مُعادية وضعف شخصي، إحتياج وقلة حيلة، أو حتى أمانه دون معين، نكون بذلك قد أبعدنا الرب من المشهد تماماً لأنه كيف تجتمع تلك الأمور وكيف تجد مكاناً لنفسها إذا كان الرب في المشهد؟ إنه لمن السهل جداً أن تخور كل قوانا وسابقة إختباراتنا وخبراتنا مع الله بل ووعود الله التي حفظناها إذا لم يكن حضور الله في كل مشهد ومع كل فكرة تطرق باب أذهاننا. إن إيليا قد إهتم بما لنفسه ومن هنا تحول نظره من مجد الله إلي مصلحته الشخصية وأمنه وسلامته وهكذا فقد البُعد الأسمى وراح يطلب الموت محبطاً ويائساً. ومن هنا يتقهقر بنا الحال وننسي قوة وقدرة الله التي لحسابنا ونهرول هاربين مثلما فعل إيليا طالبين الموت. ولكن الله في نعمته لم يقل له إلا سؤال واحد وهو “مالك ههنا يا إيليا؟” وفي إجابة هذا السؤال من المتوقع أن يُعيد الشخص حساباته ويصحح أوضاعه، وكأن الله يقول لنا ماذا حدث؟ لماذا لست في مكانك الصحيح؟ ما الذي تغير؟ ولماذا تركتني؟ ألا تعلم أنه بطلبك الموت لنفسك تقول لي إن ما أعمله ليس صحيحاً وكأنك تري الأمور وأبعادها بطريقة أفضل مني؟ ولكن الله قد تكلم مع إيليا ويتكلم معنا كثيراً بصوت خفيض وهادئ جداً، وأثناء تيهاننا وإنحدارنا لا يتركنا لذواتنا فنجده يرسل لنا الإمدادات اللازمة والإسعافات المطلوبة.
إن إلهنا ما أحلاه، يرعانا بحسب كمال قلبه هو، وبمهارة يديه يهدينا. ما أحلى العشرة معه، ألا تذكر أن إيليا لم يرى الموت لأن الله نقله؟ ألا تجد في ذلك درساً لنا في كثير من مخاوفنا وطواحين أفكارنا التي تدور بلا معنى أو أساس من الصحة. ألا يجب علينا أن نعيد ثقتنا في إلهنا مرة أخرى وبأكثر قوة وعُمق، فنعيد تكريس الحياة له، متكلين عليه ومستندين على نعمته؟ عزيزي قد تكون قد وصلت إلى مرحلة طلب الموت أو مُشرف عليها، لكن إعلم يقيناً إن سبب ما أنت فيه أو ما أنت عليه هو في داخلك وعقلك، بل دعني أقول إنه من الممكن أن يكون ما أنت عليه الآن لهو حصاد لزرع ما زرعته قديماً لكن صدقني إنه هو الرب الذي يخرج من الآكل أُكلاً ومن الجافي حلاوة، إن نعمة الله تظهر جلية في تعاملاته معنا وخصوصاً أثناء ضعفنا، فقط ثق وثبت النظر على ذاك الذي له المجد إلى الأبد.
الوسومترامب وسوريا و العراق والحب و الزواج