أبشركم بفرح عظيم يكون الفرحَ الشعبِ كله
(لوقا 2 / 10)
بشرى الفرح
بعدما وُلدَ يسوع المسيح في قرية بيت لحم، ظهر ملاك الرب لرعاةٍ وزفّ إليهم بشرى هذا الحدث السعيد، كما يخبرنا الانجيلي لوقا قائلاً : ” وكان في تلك الناحية رعاةٌ يحرسون حراسة الليل من أجل مراعيهم، وإذا بملاك الله قد جاء اليهم ومجد الرب أشرق عليهم، فخافوا خوفًا عظيمًا، فقال لهم الملاك : ” لا تخافوا، ها إني أُبشركم بفرح عظيم يكون فرحَ الشعبِ كله، لأنه قد ولد لكم اليوم مخلص… وهو المسيح الرب… “ (لوقا 8/2-11).
هناك فئتان من الناس الذين يحتفلون بعيد الميلاد المجيد : فئة الموسورين والخالين من الهموم وفئة الفقراء والمتألمين :
فرحة الموسورين والخاليـن من الهموم
تتكون الفئة الأولى المحتفلة بعيد الميلاد من الناس الذين لا تعكر حياتهم منغصات هذه الدنيا : لا الفقر ولا الحزن ولا المرض ولا المنازعات ؛ يعبّر هؤلاء عن الفرح الذي يجلبه لهم عيد الميلاد من خلال اقامة السهرات الصاخبة ومدّ موائد الطعام الفاخرة ولبس الثياب الجديدة وتزيين بيوتهم بالاشجار عليها مصابيح متلألئة وتقديم الهدايا للاطفال وتبادل التهاني عبر بطاقات خاصة أو رسائل يرسلونها عبر الهواتف النقالة والبريد الالكتروني…
معاناة الفقراء والمتألمين
إن الفئة الثانية التي تمر عليهم ذكرى ولادة يسوع متكونة من اناس يعانون من شتى أنواع الشدائد والآلام، فهناك الفقراء الذين لا يتمكنون من الاشتراك بالسهرات المقامة في الفنادق وفي النوادي وفي البيوت بسبب ضيق يدهم، وهناك من تمرّ عليهم هذه الذكرى السعيدة وهم يعانون من شتى المنغصات : المشاكل العائلية كفراق الزوجين، أو فقدان أحد الاحبة الذي غيبه الموت، أو مرض خطير أصاب أحد أفراد الاسرة، أو الوحدة، أو المنازعات والحروب.
يشعر كل هؤلاء أنفسهم غرباء عن الاحتفال بالميلاد، وكأن فرحة العيد لا تعنيهم.
لمن بَشّر الملاك فرح الميلاد ؟
فهل الفرح الذي زفه الملاك للرعاة مخصص للفئة الأولى فقط، أي للموسورين ؟ وليست موجهة للناس من الفئة الثانية، الذين تعكر حياتهم الأحزان : أي المشاكل العائلية، أو موت قريب عزيز أو مصاب أليم ؟
كلا إن فرحة الميلاد موجهة لكل الـناس دون إستثنـاء : للأغنيـاء وللفقراء على السواء، للأصحاء وللمرضى، للناس الذين ينعمون بالسلم وللناس الذين يقاسون مرارة الحروب والمنازعات، للناس السعداء وللذين يعانون من مصائب هذه الدنيا، لأن ملاك الرب أكَّد قائلاً : ” أُبشركم بفرح عظيم يكون فرحَ الشعبِ كله “، ولكن يجب أن نفهم معنى هذا الفرح، والسبب الذي من أجله يبتهج حتى الرعاة والفقراء.
فما هو الفرح الميلادي ؟
إن الفرح الذي وعد به الملاك لا يوجد في ” المولات “ وفي ” سوبر ماركات “ والمخازن الفخمة، التي تعرض مختلف الهدايا ومستلزمات الاحتفالات الميلادية، وليس موجودًا على موائد الطعام وفي قعر قناني المشروبات الروحية ؛ فإذا بحثنا عن الفرح والسعادة في هذه المواقع، فسوف نجد سعادة مؤقتة لا تدوم الاّ ساعات معدودة.
إن السبب الذي من أجله يعد الملاك بالفرح هو هذا : ” لقد ولد لكم اليوم مخلص… وهو المسيح الرب “ ؛ فإذا اجتهدنا ان ندع المسيح الرب يتغلغل في حياتنا، فإننا سنحصل على الفرح الدائم، وإذا عملنا على تطبيق مبادئ يسوع على مفردات حياتنا فسوف نحصل على فرح لا يوصف.
اننا مجربون أن نخلط بين الافراح والسعادة التي يعد بها هذا العالم، وبين الفرح والسعادة التي يعـد بها يسـوع حينما يقـول : ” طوبى (أي هنيئًا) للودعاء، طوبى للفقـراء، طوبى للرحمـاء، طوبى لفـاعلي السلام، طوبـى لأنقيـاء القلب… “ (متى 1/5-10).
فرح الميلاد على ضوء التطويـبات
لننظر إلى عيد الميلاد على ضوء التطويبات، سنلاحظ أن يسوع يقلب مقاييس الفرح والسعادة، فإنه لا يقول : ” طوبى للاغنـياء الـذين لديـهم دراهـم… “ ولا ” طوبى للذين سيرقصون ويغنون ليلة عيد الميلاد “ ولا ” طوبى للذين سيحتفلون بعيد الميلاد منشرحين ومَرِحين “، لكنه يقول ” طوبى للذين سيكونون، في ليلة الميلاد ودعاء، رحماء، أنقياء القلب، للجياع والعطاش إلى البر والخلاص الذي أتيت أقدمه للعالم… فهؤلاء سينعمون بالفرح الحقيقي “.
لو كانت مقاييس العالم للحصول على السعادة صائبة لما كانت المآسي التي نراها في عالم الترف. يقول العالم : ” طوبى للاغنياء الذين يملكون الدراهم، طوبى للذين يرقصون ويضحكون، طوبى للذين بإمكانهم الاعتداء على الآخرين “، لمّا كان الانتحار منتشرًا بين سكان البلاد الاكثر غنى ورفاهًا، كم من نجوم التمثيل والغناء الذين حصلوا على المال والشهرة يضعون حدًا لحياتهم.
الفرح والسعادة التي يعد يسوع البشر بها
إن الفرح والسعادة التي يقدمها يسوع للبشر موجودان في برنامج التطويبات، هذا البرنامج الذي يحتوي على قائمة بالجهود التي على البشر بذلها للحصول على السعادة.
” طوبى للفقراء بالروح، فإن لهم ملكوت السماوات “، تعني طوبى للذين يشعرون أنّهم يضعون رجاءَهم كله بالله، منبع كل الخير.
” طوبـى للودعـاء فإنهـم يرثون الارض… “ يسوع يغبّط الودعاء، لانهم يتشبهون بيسوع الذي قال ” إني وديع ومتواضع القلب “ (متى 29/11)، فعلى التلميذ أن يكـون مثل معلمـه ؛ ” طوبى للـرحمـاء فإنهـم يُرحمـون “، إن الذين يستقون من الله الرحمة والحنان والغفران والتسامح، يستحقون تهنئة المسيح.
” طوبى لفاعلي السلام “، يشعر الانسان بسعادة حينما يقرب الاخوة المتخاصمين ويصلح ذات البين بينهم.
” طوبى للمضطهدين من أجل البر “، يشعر بالسعادة المؤمنون الذين لا يتراجعون عن إيمانهم بسبب الاضطهادات، فالشهداء ينتصرون على الظلم من خلال تضحياتهم.
فإذا أَردنا أن ننعم بالفرح الباطني وبسعادة السماء علينا ان نمارس الفضائل التي تتضمنها التطويبات : الاتكال على الله للحصول على حاجاتنا، الوداعة، الرحمة، طهارة القلب، التواضع، ان نكون رسل السلام بين الناس، وتجرد القلب من محبة المال. هنا يكمن سر السعادة والفرح والطمأنينة.
يسوع يدعونا ان ننشر فرح الميلاد حولنا
يخبرنا لوقا عن موقف الرعاة بعد زيارتهم لطفل المغارة قائلاً : ” لما انطلق الملائكة من عندهم إلى السماء، كَلَّمَ الرعاة بعضهم بعضًا قائلين : ” لنمضِ إلى بيت لحم وننظر ما حدث، ذاك الذي اخبرنا به الرب“ وجاءوا مسرعين. فوجدوا مريم ويوسف والطفل مُضجعًا في المذود، ولما رأوا ذلك جعلوا يخبرون بما قيل لهم في ذلك الطفل، فجميع الذين سمعوا الرعاة تعجبوا مما قالوا لهم “ (لوقا 15/2-18).
هكذا لم يحتفظ الرعاة بفرحة ميلاد يسوع لأنفسهم، بل ذهبوا يقاسمونها مع الناس الآخرين، هكذا أصبحوا أول المبشرين بتجسد إبن الله للبشر.
يسوع يطلب من كل واحد منا أن ننشر فرح الميلاد لكل الناس من خلال تطبيق رسالة التطويبات، أن نساعد الفقراء، أن نسلي الحزانى أن نقرب بين المتباعدين، أن نغفر للمسيئين إلينا، ان نقوم بخطوة المصالحة الأولى تجاه قريب ابتعدنا عنه منذ سنوات بسبب نزاعات عائلية، هكذا يريد يسوع منا أن ننشر فرحة الميلاد بحيث نبلّغها إلى كل الناس.
لماذا ولد السيد المسيح في مذود للبقر؟
جـ – لم يكن ميلاد السيد المسيح في مذود للبقر ليعلمنا التواضع فحسب لكن لندرك أنه هو الذبيحة الحقيقية فارتضى أن يولد في مذود البقر في المكان الذي يؤخذ الذبائح منه، وهو الحمل الذي بلا عيب -ويتنبأ عنه أشعياء النبي قائلًا مثل خروف سيق إلي الذبح وكشاة صامتة أمام جازيها.