الغيرة
معنى الكلمة في العهد القديم لها معنيان :
1: الكلمة في اللغة العبرية هي ” قانا ” ، وتعني الحماس العاطفي للدفاع عن شخص أو شيء ما ، أو للقيام بخدمة ما .
وقد تُرجمت الكلمة العبرية ” قانا ” بمعنى ” حسد ” ( تك 26 :14)،
2:الحسد ، كما في ” لا تغر من الأشرار ولا تحسد عمال الإثم …. ولا تغر من الذي ينجح في طريقه .. ولا تغر لفعل الشر ” ( مز 37 :1, 7و8 ، مز 73 : 3) . والغيرة بهذا المعنى مؤذيه لصاحبها ” لأن الغيظ يقتل الغبي ، والغيرة تميت الأحمق ” ( أي 5 : 2 ، أم 14 :30 ) . ويُفهم المعنى المقصود من القرينة .
في العهد الجديد لها ايضا معنيان :
الكلمة اليونانية المستخدمة في العهد الجديد هي ” زيلو ” بمعنى ” يغار ” ومشتقاتها ، وهي مثل ” قانا ” العبرية ، تحمل مفهومين :
1: “الغيرة ” بمعناها الحسن .
2: ” الغيرة ” بمعناها السيء أي ” الحسد ” , ويفهم المعنى المقصود من القرينة .
ترد عبارة ” غيرة رب الجنود “عدة مرات ( 2مل 19 :31 ، إش 9 :7، 37 :35 ، انظر أيضاً عد 25 :11 ، 1 مل 19 :10 و14 ، مز 79 :5 ، إش 26 :11 ، 63 :15 ،حز 5 : 13 ، 23 : 5 ، 36 : 5 و6 ، 38 :19 ، 39 : 25 ) ، فالرب يغار على مجده وعلى شعبه وعلاقتهم به ، كما يغار الزوج على زوجته ( إش 54 :5 و6 ، إرميا 2 :2 ،هو 2 :19 ، انظر أيضاً حز 16 ، زك 1 : 14 ، 8 :3 ) . وقد قال الرب عن نفسه : ” أنا الرب إلهك ، إله غيور ” ( خر 20 :5 ، انظر أيضاً خر 34 :24 ، تث 4 :24 ،6 :15 ، 29 : 20 ، يش 24 :19 ) . كما يقول الرب عن نفسه كالديان ، إنه ” لبس الانتقام كلباس ، واكتسى بالغيرة كرداء … هكذا يجازى مبغضيه سخطاً وأعداءه عقاباً ” ( إش 59 :17 و18 ، 63 : 3-6 ، انظر أيضاً صف 1 :18، 3 : 8 ، رؤ 6 :15 –17 ) .
ويسجل العهد القديم غيرة رجال الله الأتقياء على مجد الرب ، مثل ” فينحاس ” الذي غار غيرة الرب وقتل المرأة المديانية ورفيقها الإسرائيلي ( عد 25 :6-13 ، مز 106 : 30و31 ) . وغيرة ” إيليا ” الذي قتل أنبياء البعل والسواري ( 1مل 19 : 10 و 14 ) وياهو الذى قتل جميع أنبياء البعل وكل عابديه (10 :9 -26 ) . ويقول المرنم بروح النبوة عن الرب يسوع المسيح : ” غيرة بيتك أكلتني ” ( مز 69 :6 انظر يو 2 :17 ) .
اولا: الغيرة بالمفهوم السلبي “الغيرة القاتلة ” :
هي عاطفة أنانية , حالة تشأ عن عدم الثقة والشك أو المنافسة . للغيرة ألوان عديدة : قد تكون الخشية من فقدان الشي أو الشخص الذي نحبه . لذلك تولد الغيرة في نفوسنا خوفا مثلا : في حفل زفاف التقت سيدة متزوجة بصديق لها من ايام الدراسة , واخذت تسترجع معه ذكريات الماضي . بينما زوجها كان يقف بعيدا ينظر الى زوجته مع ذلك الرجل الغريب .الامر الذي اثار الغيرة والشك في قلبه . لانه ” حيث الغيرة والتحزب هناك التشويش وكل امر رديء “( يعقوب 3:16) .
الغيرة تغزو فريستها , تعلق بذهن صاحبها وتتغلغل في شخصيته حتى لا تدع جانبا من جسمه , أو عقله يخلو منها. الغيرة قد تصل بصاحبها إلي حد الجنون , وقد تدفعه الى ارتكاب جريمة قتل . فكلما تركنا لها المجال سيطرت علي تفكيرنا وقلوبنا اكثر فاكثر . مثال : “ ( 1صموئيل 18: 6 – 8 ) وكان عند مجيئهم حين رجع داود من قتل الفلسطيني ان النساء خرجت من جميع مدن اسرائيل بالغناء والرقص للقاء شاول الملك بدفوف وبفرح وبمثلثات. فاجابت النساء اللاعبات وقلن ضرب شاول الوفه وداود ربواته. فاحتمى شاول جدا وساء هذا الكلام في عينيه وقال اعطين داود ربوات واما انا فاعطينني الالوف.وبعد فقط تبق له المملكة.”
الغيرة والحسد: هناك رابط قوي بين الغيرة والحسد, فكلاهما يحتويان علي الغل والحقد . فالحسد ينتج عن الاحساس بعدم الكفاية والشعور بالنقص. ولكن الغيرة أسوا من الحسد وأقوى منه وأخطر ,لأنها مرتبطة بالخوف . الغيرة تبني علي الحسد ,إلا انه قد يأتي الحسد أولا ثم تتبعه الغيرة ,وقد تأتي الغيرة ثم تجر في أذيالها الحسد . والناس عموما يرفضون أن يوصفوا بالغيرة أو بالحسد . لكن احيانا يتقبلون تعبير” الغيرة” بينما يرفضون تعبير” الحسد” . مثلا: فتاة جميلة دعيت لحضور حفلة ما, فأمضت وقتا طويلا في اختيار اجمل الملابس لتكون اجمل الحاضرات في الحفل , ذهبت الى الحفل وكلها ثقة انها ستكون الاجمل ! ولكن حال وصولها رات سيدة تلبس فستانا أجمل من فستانها, جذب أنظار جميع الحاضرين ولم يلتفت احد إلى تلك الفتاة, فامتلأت بالغل, وافسد الحسد متعة الحفل.
الغيرة تولد ألاحساس بأن الإنسان اقل من غيرة, وان الاخرين يعاملونه على انه اقل من غيره .فان عامله الاخرون علي انه اقل قيمة, تولد في أعماقه مشاعر الغضب والبغض والكراهية .
الغيرة تولد والشك :
تنشأ الغيرة من عدم الثقة بالنفس يرافقها الشك القاتل. متى دخل الشك حياة إنسان عرضها لمشاكل عديدة . فالشاك شخص تقلقه النظرة البريئه , وتحيره الكلمة العابرة وتذهله الأشارة البسيطة. فهو يفسر اللفته العابره بالخيانه ويصف التعليق العادي بالغدر . الشك يدفع الى الوساوس دون مبرر معقول , ويثير القلق دون اساس . كم من جرائم ارتكبت بسبب الشك !
(مز 37 : 7): “ انتظر الرب واصبر له ولا تغر من الذي ينجح في طريقه من الرجل المجري مكايد “.” لان الغيظ يقتل الغبي والغيرة تميت الاحمق ” (ايوب 5:2).
من احدى قصص الغيرة السلبية في الكتاب المقدس في سفر ( العدد12 ) نرى في الآية الأولى ما يمثل السبب المباشر لهجوم مريم على موسى، وهو زواج موسى من المرأة الكوشية (الغيرة ربما لان الله كلم موسى , او ان مريم لم تكن متزوجه وغارت كيف كوشية تزوجت , وهي الجميلة ولم تتزوج بعد )، بينما الآية الثانية تمثل السبب الحقيقي، إذ قالت: “ألم يكلمنا (الرب) نحن أيضاً”؟ لقد أراد كل من مريم وهارون أن يخفيا السبب الحقيقي بسبب آخر ظاهري وسطحي، لكن كلمة الله فضحت الدوافع. حقاً إن كلمة الله تميز أفكار القلب ونياته( عب 4: 12) . لو كان قصد مريم خير أخيها لتكلمت معه مباشرة. أما أنها تكلمت عنه، فهذا تشويه لصورة رجل الله. ولقد تجاوزت مريم حدودها، وقدّرت نفسها أكثر مما يجب، واعتبرت نفسها نداً لموسى، واعترضت على تمييز الرب لموسى في تعامله معه عنها. وبالتالي فيمكن القول إن الذي حركها ,للاسف, ليس مصلحة اخيها، ولا مصلحة شعبها، بل الغيرة المُرَّة. لكنها عملت , كما نعمل نحن كثيراً , أن نغلف أعمال الجسد الرديئة التي فينا بغلاف رقيق من الغيرة على مجد الله، ومجد الله هو أبعد ما يكون في هذا الأمر. ويا للأسف أنه قبل أن يظهر في المشهد قورح الشرير وتمرده في (ص16 )، تأخذ مريم ومعها هارون السبق في هذا المضمار.
ومشكلة الغيرة والحسد، أن صاحبهما لا يقدر مطلقاً أن يحوّل عينه عن الشخص المحسود. وكل ما نظر إليه ازدادت غيرته المُرّة، حتى في لحظة ضعف يحدث الانفجار ! ومن فضلة القلب يتكلم الفم، وتحدث الواقعة. وحقاً كما تكلم الحكيم: “مَنْ يقف قدام الحسد” (امثال 27: 4).
ثانيا: الغيرة الحسنة:
غالباً ما يتكلم الناس عن الغيرة بمعناها الرديء، لكن الكتاب يتكلم :”حسنة هي الغيرة في الحُسنى كل حين (غلاطية 4: 18) “ . والغيرة في الحسنى هي الغيرة «حسب المعرفة» وهي الغيرة «للمسيح» وليس لطائفة أو لجماعة معينة. مثلا , الغيرة الحسنة هي التي عَبَّر عنها الرسول بولس بقوله للكورنثيين: «فإني أغار عليكم غيرة الله، لأني خطبتكم لرجل واحد، لأقدم عذراء عفيفة للمسيح» ( 2 كور 11: 2). فمحبته للمسيح وللقديسين جعلته يغير لئلا يقف أي شخص أو أي شيء بينهم وبين المسيح. إنه لا يشفق على الذين بالتعاليم المُضلة يُبعدون القديسين عن المسيح أي مَنْ كان، ” فإن أتى رسول أو ملاك من السماء ليكرز بإنجيل آخر فليكن أناثيما ” (غلاطية 1: 8) . لقد أراد أن يكون القديسون مُكرَّسين للرب يسوع وحده دون أن يسمحوا لأحد أن يحوِّل عواطف قلوبهم بعيداً عنه، وكانت رغبته أنه في يوم آتٍ، يقدمهم إلى الرب يسوع أنقياء من التعاليم الفاسدة المنتشرة آنئذ.
فلا خطأ في الغيرة المقدسة التي تدفع إليها التقوى ومخافة الرب والسعى لإكرامه . بل إن الله ينتظر من أولاده أن يغاروا على مجده ويطلب منهم أن يكونوا ” غير متكاسلين في الاجتهاد . حارين في الروح ، عابدين الرب ” ( رو 12 : 11 ) وقد بذل المسيح ” نفسه لأجلنا لكي يفدينا من كل إثم ويطهر لنفسه شعباً خاصاً غيوراً في أعمال حسنة ” ( تي 2 :14 ) . كما يطلب من المؤمنين أن يكونوا غيورين للمواهب الروحية لأجل بنيان الكنيسة ” ( 1 كو 14 :12 ) . ويقول الرسول بولس عن نفسه إنه كان ” أوفر غيرة في تقليدات آبائي ” ( غل 1 :14 ) . كما يقول : ” من جهة الغيرة مضطهد للكنيسة ” ( في 3 :6 ، انظر أيضاً غل 1 : 13 ، أع 22 :3 ) لأنه كان يفعل ذلك ” بجهل في عدم إيمان ” ( 1 تي 1 :13 ) .
والمسيح في غيرته يقول ” إن كان أحد يأتي إليَّ ولا يبغض أباه وأمه وامرأته وأولاده وإخوته وأخواته حتى نفسه أيضاً فلا يقدر أن يكون لي تلميذا “. فغرض الرب هو أن يرى غيرة ونشاطاً في حياة أحبائه للقيام بأعمال حسنة باسم الرب ولمجده. فهل غيرتنا تتجاوب مع شوق قلبه أم يضطر الرب لأن يقول لنا مراراً ما يقوله للاودوكي ” كن غيوراً وتُب “.
شريعة الغيرة في العهد القديم :
نقرأ في الأصحاح الخامس من سفر العدد أنه إذا حدث أن شك شخص في أمانة زوجته بدون دليل قاطع ” فاعتراه روح الغيرة ، وغار على امرأته ” ( عد 5 :11-14 ) ، كان الرجل يأتى ” وامرأته إلى الكاهن ، ويأتي بقربانها معها عشر الإيفة من طحين شعير لا يصب عليه زيتاً ، ولا يجعل عليه لبانا ، لأنه تقدمة غيرة ، تقدمة تذَّكر ، تذكر ذنباً ” ( عد 5 :15 9 ) ، أي أنها ليست مناسبة سعيدة ، لكي يعلن الله الحكم الصحيح في القضية الخطيرة المطروحة ، ” فالغيرة قاسية كالهاوية ” ( نش 8 :6 ) . وتقف المرأة أمام الرب مكشوفة الرأس ، ويجعل الكاهن ” فى يديها تقدمة التذكار ، التي هي تقدمة الغيرة ، وفي يد الكاهن ماء اللعنة المر ” ( عد 5 : 18 ) ، وهو ماء مقدس في إناء خزفي ممزوج بغبار من أرض المسكن ” ويستحلف الكاهن المرأة بحلف اللعنة .. ويكتب الكاهن هذه اللعنات في الكتاب ثم يمحوها في الماء المر، ويسقي المرأة …. ويأخذ الكاهن من يد المرأة تقدمة الغيرة ويردد التقدمة أمام الرب ، ويقدمها إلى المذبح . وبعد ذلك يسقى المرأة الماء ” فإن كانت خانت زوجها ، فإن أعراض اللعنة ( ورم البطن وسقوط الفخذ ) تظهر عليها ، أما إذا كانت بريئة ، فلا يصيبها شيء ( عد 5 :21-30 ) . ولم يكن على الرجل في الحالتين عقاب.
شريعة الغيرة في العهد الجديد:
يقول بولس ( غلاطية 5: 19-20 ): “ واعمال الجسد ظاهرة التي هي زنى عهارة نجاسة دعارة عبادة الاوثان سحر عداوة خصام غيرة سخط تحزب شقاق بدعة” . ويقول يعقوب في رسالته (3 : 14 )“ ولكن ان كان لكم غيرة مرة وتحزب في قلوبكم , فلا تفتخروا وتكذبوا على الحق. ليست هذه الحكمة نازلة من فوق , بل هي ارضية نفسانية شيطانية .لانه حيث الغيرة والتحزب , هناك التشويش وكل امر ردى . واما الحكمة التي من فوق فهي اولا طاهرة ,ثم مسالمة ,مترفقة ,مذعنة , مملؤة رحمة واثمارا صالحة ,عديمة الريب والرياء. وثمر البر يزرع في السلام من الذين يفعلون السلام” .
فالحل ان نأتي الى كاهن نفوسنا العظيم يسوع المسيح طالبين المغفرة . فماء اللعنة التي كان يسكبها الكاهن في القديم اخدها يسوع على نفسه لأنه مكتوب: “ لكن احزاننا حملها واوجاعنا تحملها ونحن حسبناه مصابا مضروبا من الله ومذلولا. وهو مجروح لاجل معاصينا مسحوق لاجل آثامنا تاديب سلامنا عليه وبحبره شفينا.”(اشعياء 53: 4-5).
” فإذا اعترفنا يخطايانا فهو امين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل ذنب ” ( 1 يوحنا 1:9), لذلك لتكن غيرتنا كما قلت فقط في الحسنى «حسنة هي الغيرة في الحُسنى كل حين » (غلاطية 4: 18).
والحسنى هي ثمر الروح كما يقول في( غلاطية 5: 22 – 25 ) “ واما ثمر الروح فهو محبة فرح سلام , طول اناة لطف صلاح ايمان وداعة تعفف.ضد امثال هذه ليس ناموس. ولكن الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الاهواء والشهوات. ان كنا نعيش بالروح فلنسلك ايضا بحسب الروح.”
اخي ! هل ينتابك شعور الغيرة والحسد تجاه الاخرين ؟ اذا كانت اجابتك نعم , اذهب الي الصليب وتامل جراح الحبيب الذي مات لاجلك, لقد كان مثالا للحب والغفران . صل معي : يارب انا احبك , ولكن احيانا الحسد والغيرة يملاان قلبي , لذلك اطلب اليك اليوم ان تجعل محبتك تغمر قلبي , وتزيل كل انواع الحسد والغيرة منه باسم يسوع المسيح امين .
القس / مجدى خلة
فايبروواتس اب
009647502720873