فى ليلة يوم شديد البرودة سنة 1925 كانت أم حامل صغيرة السن , قتل زوجها فى الحرب , ولم يكن لها من يساعدها فى معيشتها .
تذكرت صديقة لها مسيحية طيبة يمكن أن تساعدها , فقررت الذهاب اليها , وفى طريقها اليها ودموع الحزن على خديها , كان بالقرب من منزل صديقتها قناة عميقة يربط ضفتيها جسر , وبينما كانت تتعثر قدماها فاجأتها آلام الولادة , فوقعت على الأرض وأحست بعدم قدرتها على الوصول , فزحفت حتى نهاية الجسر وولدت طفلها دون أن يكون معها أحد.
لم يكن لديها أى شئ تلف به المولود غير ملابسها الثقيلة المبطنة التى تلبسها , فبدأت تخلعها قطعة بعد أخرى وتلفها حول المولود , ومن شدة التعب والبرودة فارقت الحياة بجوار ابنها المولود على الجليد .
وفى صباح اليوم التالى كانت صديقتها المسيحية تسوق سيارتها على هذا الجسر ومعها سلة مملوءة بالاطعمة لاحدى العائلات المحتاجة .
وفى طريق عودتها لمنزلها وعند اقترابها من الجسر , اذ بالسيارة تقف لعدم وجود بنزين بها .
فخرجت منها وبدأت تعبر الجسر مشياً على أقدامها , واذ بها تسمع صوت صراخ طفل ضعيف , فتوقفت لحظة للتأكد من هذا الصوت , فسمعت الصرخة الخافته مرة أخرى وكأنها صادرة من تحت الجسر .
فزحفت تحت الجسر لتبحث عن مصدر الصوت , الى أن وجدت طفلاْ صغيراْ مقمطاْ ( ملفوفاْ ) ولما اقتربت منه وجدت جسمه دافئاْ ولكنه جائع , وبجواره أمه المتجمدة المائتة .
فأخذت الطفل معها لمنزلها , وبعد أن اعتنت به , عادت ومعها بعض المساعدين لها لحمل جثمان الأم ودفنها .
أما الطفل المولود فقد تبنته ( أى يكون ابناً لها ) وضمته الى الاطفال اليتامى الآخرين الذين كانت ترعاهم , فكان له مكانة خاصة عندها .
وكثيراْ ما كانت تقول له
” لقد أحبتك أمك حباً عظيماً, لقد ماتت متجمدة لأنها خلعت ثيابها لتلفك بها ”
لم يتضايق الصبى من سماع هذا الكلام الذى كانت تردده كثيراْ عن أمه التى أحبته بهذا المقدار لتنقذه من الموت ويعيش .
وفى عيد ميلاده الثانى عشر , كان الثلج يتساقط , وبعد انتهاء الأطفال بالاحتفال به , جلس بجوارها وسألها
” هل تعتقدين أن الله سمح بأن يفرغ البنزين من سيارتك فى هذا اليوم لكي تجدينى؟”
أجابته
” بالتأكيد هو سمح بهذا , لأنه لو لم تتعطل السيارة فى هذا اليوم ما كنت وجدتك , ولكن كم أنا مسرورة جداً بوقوفها , فأنا أحبك كثيراً وفخورة جداً بك ”
ثم أحاطته بذراعيها , فأسند رأسه عليها
وقال لها ” ماما , هل تسمحين وتأخديننى الى مقبرة أمي ؟ أنا أشكر الله من أجلها , وأريد أن أشكرها أيضاً لأنها وهبتني الحياة.
أجابته
” بالتأكيد نعم , فالبس معطفك الثقيل لأن الجو شديد البرودة “.
وعندما وصلا الى المقبرة طلب منها أن تتركه وحده وتنتظره بعيداً .
فمشت بعيداْ وانتظرت , وهي تراقبه , فاذا بها تفاجأت به وقد بدأ يخلع ملابسه الدافئه قطعة بعد قطعه إلى أن خلع كل ملابسه ووضعها على قبر امه
ثم ركع عاريا على الجلد وهو يرتجف بشده من البرد
انتظرت دقيقة و دقيقتين ثم أسرعت إليه ووضعت يدها على كتفه فنظرت إليها ثم انحنى نحو القبر وفى حزن عميق صرخ لأمه التى لم يرها ولا عرفها
” هل بردت هكذا بل وأكثر من هذا من أجلى يا أمى ”
ثم بكى بمرارة وحزن شديد لأنه شعر واحس بنفسه كم قاست أكثر مما قاسى هو بكثير لكى يحيا ولا يموت.
وهذا ما فعله السيد المسيح لنا
“الله بين (أظهر ) محبته لنا لأنه ونحن بعد خطاه مات المسيح لأجلنا
( ليعطينا الحياة ).
القس / مجدى خلة.