العين الزرقاء و الحسد

47012231_2229810863963949_8959707001030443008_n.jpg

“صيبة العين” والإيمان المسيحي
. أحد أقدم المعتقدات الشعبية في العالم الإعتقاد بما يُسمّى باللغة الدارجة “صيبة العين”، وباللغة الفصحى “العين الشرّيرة”. يرجع هذا المعتقد إلى أكثر من ثلاثة آلاف سنة الى الوراء. رصد وجوده على زمن الإمبراطورية اليونانية القديمة التي برزت حوالي 1300 سنة قبل المسيح. ساد بشكل خاص، لدى شعوب حوض البحر المتوسط، لا سيّما الشعوب الشرق أوسطية. ولا يزال سائدا لدى الكثير من الناس في هذه البلدان. الا أنه كلما ابتعدنا عن هذه المناطق الجغرافية، كلما قل، بل ندر من يؤمن بصيبة العين.
ما هي صيبة العين، أو العين الشريرة؟ انه الاعتقاد، أن بعض الناس أو حتى الحيوانات، لديهم القدرة على التسبّب بالضرر للناس أو الأشياء، بمجرّد التحديق إليها بعيونهم، دون أن يدركوا انهم المسببون لهذا الضرر. هذا الاعتقاد،
غير مبنيّ على منطق علمي ومعرفي، بل هو مجرد معتقدات شعبية قديمة، ليست روحية وإنما أرواحية، تم تناقلها من جيل الى جيل. برز هذا المعتقد لدى الشعوب التي تؤمن بما يُسمّى باللغة العربية: “نظرية الإنبعاث” أو “نظرية الإطلاقات” التي تفيد، بأن للعين، قدرة على إطلاق إشعاعات منها، تسبّب الأذيّة للمنظور اليه، من البسيطة منها، وقد تصل الى حدّ الموت. خلال التاريخ إنتشر هذا المعتقد بشكل واسع، وأصبح الإجابة على كل مآسي الحياة المفاجئة وغير المتوقعة، التي لم يجد بعص الناس تفسيرًا لها، مثل: موت مفاجىء لطفل دون معرفة السبب، أو مرض أحد بشكل فجائي. ظن المعتقدون بالعين الشريرة، او صيبة العين، أنهم يستطيعون حماية أنفسهم من أخطارها، وأضرارها، باستخدام ما يُسمّى تعويذات، لا سيما، خرزات زرقاء دائرية، تحوي في وسطها عين.
ولا يزال حتى اليوم، يؤمن البعض، انه اذا ما كان أصيب بالعين، فانهم يقصدون أحدهم، الذي يكرر له عبارات أو صلوات، حتى تفك العين عنه.
عندما تكوّن الشعب العبري في العهد القديم، وأقام الله معهم عهدا، ليكونوا شعبه. فقد حذّر النبي موسى شعب الله القديم من التأثّر من: معتقدات، وممارسات الشعوب الوثنية، التي عاشوا بجوارها، لأن النبي موسى وجد بأن تلك المعتقدات، كانت غريبة عن فكر الله. واحدى تلك المعتقدات، كانت بتعبير اليوم، “صيبة العين، او العين الشريرة”. تستخدم ترجمة البستاني-فانديك، العربية، كلمة، “الرقية”، التي تعني باللغة العبرية الأصلية، “إلقاء عين شريرة على أحد”. دونت تحذيرات للشعب العبري، من تلك المعتقدات في شريعة التثنية، إذ جاء في نص الشريعة: “لا يوجد فيك من يجيز ابنه أو إبنته في النار. ولا من يعرف عرّافة. ولا عائف. ولا متفاءل. ولا ساحر. ولا من يرقي رقيّة. ولا من يسأل جانًا، أو تابعة، أو من يستشير الموتى. لأن كل من يفعل ذلك، مكروه عند الرب” (تثنية18: 10-12). صنّفت شريعة التثنية الرقيّة أو العين الشريرة، الى جانب السحر والعرافة وغيرها.
إن الاعتقاد بالعين الشريرة، واستخدام هذا المصطلح، لم يؤثر فقط على حياة الناس، بل أيضا كان له تأثير كبير على اللغة. نشأت الكنيسة المسيحية، وسط حضارتين أساسيتين، هما: اليونانية والرومانية، التي كانت تؤمن شعوبها بالعين الشريرة. لهذا، نرى تأثير هذا المصطلح، على اللغة المستخدمة في الكتاب المقدس.
فهناك إشارات قليلة جدًا، بل نادرة، إستخدمت فيها مصطلح “العين الشريرة”، سوف أتوقّف عند . طبعا لم يؤمن المسيح، بالعين الشريرة، لكنه استخدم، هذا المصطلح في ثلاثة مقاطع في الأناجيل:
1-متى 6: 22-23 “سراج الجسد هو العين. فان كانت عينك بسيطة، فجسدك كله يكون نيرا. وان كانت عينك شريرة، فجسدك كله يكون مظلما”. اعتقد مفسرون، أن الإنسان ذو العين البسيطة هو الإنسان الكريم المعطاء المتحرّر من الحسد ومحبّة المال. أما الإنسان ذو العين الشريرة، فهو الإنسان البخيل الذي الطمّاع والحاسد الذي يسعى وراء ما يملكه الآخرون، ويكون جلّ تفكيره ربحه الشخصي، وليس حاجات الاخرين.
2- متى20: 1-16. في تشبيه المسيح لملكوت السموات بربّ بيت، خرج من الصبح ليستأجر فعلة لكرمه. فاستأجر أناس في أوقات مختلفة من النهار. وأعطى الجميع نفس الأجر. وعندما احتجن من استأجره باكرًا، قال له رب البيت: “أما إتفقت معي على دينار؟ أو ما يحلّ لي أن أفعل ما أريد مما لي؟ أم عينك شريرة لأني صالح” (متى20: 13-15). وبالتالي، فالسياق الذي جاءت به هذه العبارة هو أيضًا سياق الحسد والطمع والرغبة بالحصول على مال أكثر من الآخرين، وليس في سياق إلقاء عين شريرة على أحد.
3-مرقس7: 21-23 . يذكر المسيح لائحة من الخطايا، التي تبدأ قلب الانسان، والتي من ضمنها، “العين الشريرة”، فيقول” لأنه من الداخل من قلوب الناس، تخرج الأفكار الشريرة: زنى، فسق، قتل، سرقة، طمع، خبث، مكر، عهارة، عين شريرة، تجديف، كبرياء، جهل. جميع هذه الشرور تخرج من الداخل، وتنجس الانسان”.
يقول مفسّروا الكتاب المقدس، أن العين الشريرة، تمثل الانسان الشرير الذي يسعى لإفتعال الشر والاضطرابات، بدافع الحسد. وتعني كلمة “الحسد”، شعور الانسان بالمرارة والانزعاج حيال ما يملكه الاخر، من مال، أو مركز، أو ثقة الناس، أو سمعة جيدة، أو جمال، أو غيرها من الأمور، الذي يعتبرها جيدة. ويرافق شعور الانزعاج هذا، اما رغبة شديدة بالامتلاك الشخصي لما يملكه ذاك الاخر، أو برغبة شديدة بفقدان أو حرمان ذاك الاخر مما يملكه.
أُطلق على تعبير “العين الشريرة” في القديم، تعبيرا آخر هو “العين الضيقة”، ولا يزال البعض يستخدم هذا التعبير.
اعتقد مفسرون ان “العين الشريرة”، هي تعبير اصطلاحي، مثل الكثير من التعابير الاصطلاحية، التي لا تفسّر بحرفيتها، وانما تشير الى معنى آخر. فهناك مثلا تعبير باللغة الانكليزية، مفاده، “السماء تمطر كلابًا وقططًا، والذي يعني، السماء تمطر بغزارة شديدة. ان الكلمة اليونانية، “أوفتالموس بونروس”، التي تعني “العين الشريرة”، لم تعد تستخدم في الكثير من ترجمات الكتاب المقدّس الجديدة، بل استبدلت، بكلمة “حسد”.
القراء الأعزاء، لا يمت الإيمان المسيحي الحقيقي، لا من قريب ولا من بعيد الى معتقد: صيبة العين او العين الشريرة. ولا يحتاج المؤمنون والمؤمنات، الى وضع تعويذة الخرزة الزرقاء، كيما تحميه. فحمايتهم تأتي من الله، الذي يسود على كل تفاصيل الحياة، مهما سهلت أو صعبت تلك الحياة . لا يؤمن المسيحي، أن الأشياء التي يصنّعها البشر والمخلوقة من قبلهم، تؤمّن الحماية لأحد، فالله وحده، هو حامينا وولي أمرنا. يقول الرسول يوحنا: “أنتم من الله أيّها الأولاد. وقد غلبتموهم، لأن الذي فيكم، أعظم من الذي في العالم” (1يوحنا4: 4).

Comments

comments

شاهد أيضاً

كنيسة يسوع؟؟؟!!!

كنيسة يسوع !! ? جاء للكنيسة شخص بهيئة فقيرة بدا انه متشرد .. تجول حولها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

 
Chat  
RadioVOH FB page Chat Online
+